للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا عساه ان يَغْشَاهَا من القذى والوسخ ولغير ذَلِك من الحكم وَمن جعل على الفخذين والوركين من اللَّحْم اكثر مِمَّا على سَائِر الاعضاء ليقيها من الارض فَلَا تألم عظامها من كَثْرَة الْجُلُوس كَمَا يألم من قد نحل جِسْمه وَقل لَحْمه من طول الْجُلُوس حَيْثُ لم يحل بَينه وَبَين الارض حَائِل وَمن جعل مَاء الْعَينَيْنِ ملحا يحفظها من الذوبان وَمَاء الاذن مرا يحفظها من الذُّبَاب والهواء والبعوض وَمَاء الْفَم عذبا يدْرك بِهِ طعوم الاشياء فَلَا يخالطها طعم غَيرهَا وَمن جعل بَاب الْخَلَاء فِي الانسان فِي اسْتُرْ مَوضِع كَمَا ان الْبناء الْحَكِيم بِجعْل مَوضِع التخلى فِي اسْتُرْ مَوضِع فِي الدَّار وَهَكَذَا منفذ الْخَلَاء من الانسان فِي اسْتُرْ مَوضِع لَيْسَ بارزا من خَلفه وَلَا ناشزا بَين يَدَيْهِ بل مغيب فِي مَوضِع غامض من الْبدن يلتقى عَلَيْهِ الفخذان بِمَا عَلَيْهِمَا من اللَّحْم متواريا فَإِذا جَاءَ وَقت الْحَاجة وَجلسَ الانسان لَهَا برز ذَلِك الْمخْرج للآرض وَمن جعل الاسنان حدادا لقطع الطَّعَام وتفصيله والاضراس عراضا لرضه وطحنه وَمن سلب الاحساس الحيواني الشُّعُور والاظفار الَّتِي فِي الادمي لانها قد تطول وتمتد وَتَدْعُو الْحَاجة الى اخذها وتخفيفها فَلَو اعطاها الْحس لالمته وشق عَلَيْهِ اخذ مَا شَاءَ مِنْهَا وَلَو كَانَت تحس لوقع الانسان مِنْهَا فِي إِحْدَى البليتين اما تَركهَا حَتَّى تطول وتفحش وتثقل عَلَيْهِ وَأما مقاساة الالم والوجع عِنْد اخذها وَمن جعل بَاطِن الْكَفّ غير قَابل لانبات الشّعْر لانه لَو اشعر لتعذر على الانسان صِحَة اللَّمْس ولشق عَلَيْهِ كثير من الاعمال الَّتِي تباشر بالكف ولهذه الْحِكْمَة لم يكن هن الرجل قَابلا لانباته لانه يمنعهُ من الْجِمَاع وَلما كَانَت الْمَادَّة تَقْتَضِي إنباته هُنَاكَ نبت حول هن الرجل وَالْمَرْأَة ولهذه الْحِكْمَة سلب عَن الشفتين وَكَذَا بَاطِن الْفَم وَكَذَا ايضا الْقدَم اخمصها وظاهرها لانها تلاقي التُّرَاب والوسخ والطين والشوك فَلَو كَانَ هُنَاكَ شعر لأَذى الانسان جدا وَحمل من الارض كل وَقت مَا يثقل الانسان وَلَيْسَ هَذَا للانسان وَحده بل ترى الْبَهَائِم قد جللها الشّعْر كلهَا واخليت هَذِه الْمَوَاضِع مِنْهُ لهَذِهِ الْحِكْمَة افلا ترى الصَّنْعَة الالهية كَيفَ سلبت وُجُوه الْخَطَأ والمضرة وَجَاءَت بِكُل صَوَاب وكل مَنْفَعَة وكل مصلحَة وَلما اجْتهد الطاعنون فِي الْحِكْمَة العائبون للخلقة فِيمَا يطعنون بِهِ عابوا الشُّعُور تَحت الاباط وَشعر الْعَانَة وَشعر بَاطِن الانف وَشعر الرُّكْبَتَيْنِ وَقَالُوا أَي حِكْمَة فِيهَا واي فَائِدَة وَهَذَا من فرط جهلهم وسخافة عُقُولهمْ فَإِن الْحِكْمَة لَا يجب ان تكون بأسرها مَعْلُومَة للبشر وَلَا أَكْثَرهَا بل لَا نِسْبَة لما علموه الى مَا جهلوه فِيهَا لَو قيست عُلُوم الْخَلَائق كلهم بِوُجُوه حِكْمَة الله تَعَالَى فِي خلقه وَأمره الى مَا خَفِي عَنْهُم مِنْهَا كَانَت كنقرة عُصْفُور فِي الْبَحْر وَحسب الفطن اللبيب ان يسْتَدلّ بِمَا عرف مِنْهَا على مَا لم يعرف وَيعلم الْحِكْمَة فِيمَا جَهله مِنْهَا مثلهَا فِيمَا علمه بل اعظم وادق وَمَا مثل هَؤُلَاءِ الحمقى النوكي الا كَمثل رجل لاعلم لَهُ بدقائق الصَّنَائِع

<<  <  ج: ص:  >  >>