للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنَال الْعبارَة كمالها وَلَا يدْرك الْوَصْف حسنها وَلَا تقترح عقول الْعُقَلَاء وَلَو اجْتمعت وَكَانَت على اكمل عقل رجل مِنْهُم فَوْقهَا وَحسب الْعُقُول الْكَامِلَة الفاضلة ان ادركت حسنها وَشهِدت بفضلها وانه مَا طرق الْعَالم شَرِيعَة اكمل وَلَا اجل وَلَا اعظم مِنْهَا فَهِيَ نَفسهَا الشَّاهِد والمشهود لَهُ وَالْحجّة والمحتج لَهُ وَالدَّعْوَى والبرهان وَلَو لم يَأْتِ الرَّسُول ببرهان عَلَيْهَا لكفى بهَا برهانا وَآيَة وَشَاهدا على انها من عِنْد الله وَكلهَا شاهدة لَهُ بِكَمَال الْعلم وَكَمَال الْحِكْمَة وسعة الرَّحْمَة وَالْبر والاحسان والاحاطة بِالْغَيْبِ وَالشَّهَادَة وَالْعلم بالمباديء والعواقب وَأَنَّهَا من اعظم نعم الله الَّتِي انْعمْ بهَا على عباده فَمَا انْعمْ عَلَيْهِم بِنِعْمَة اجل من ان هدَاهُم لَهَا وجعلهم من اهلها وَمِمَّنْ ارتضاهم لَهَا فَلهَذَا امتن على عباده بَان هدَاهُم لَهَا قَالَ تَعَالَى {لقد من الله على الْمُؤمنِينَ إِذْ بعث فيهم رَسُولا من أنفسهم يَتْلُو عَلَيْهِم آيَاته ويزكيهم وَيُعلمهُم الْكتاب وَالْحكمَة وَإِن كَانُوا من قبل لفي ضلال مُبين} وَقَالَ مُعَرفا لِعِبَادِهِ ومذكرا لَهُم عَظِيم نعْمَته عَلَيْهِم مستدعيا مِنْهُم شكره على ان جعلهم من اهلها الْيَوْم اكملت لكم دينكُمْ الاية وَتَأمل كَيفَ وصف الدّين الَّذِي اخْتَارَهُ لَهُم بالكمال وَالنعْمَة الَّتِي اسبغها عَلَيْهِم بالتمام إِيذَانًا فِي الدّين بِأَنَّهُ لَا نقص فِيهِ وَلَا عيب وَلَا خلل وَلَا شَيْء خَارِجا عَن الْحِكْمَة بِوَجْه بل هُوَ الْكَامِل فِي حسنه وجلالته وَوصف النِّعْمَة بالتمام إِيذَانًا بدوامها واتصالها وَأَنه لَا يسلبهم إِيَّاهَا بعد إِذْ أعطاهموها بل يُتمهَا لَهُم بالدوام فِي هَذِه الدَّار وَفِي دَار الْقَرار وَتَأمل حسن اقتران التَّمام بِالنعْمَةِ وَحسن اقتران الْكَمَال بِالدّينِ وَإِضَافَة الدّين اليهم إِذْ هم القائمون بِهِ المقيمون لَهُ وأضاف النِّعْمَة اليه إِذْ هُوَ وَليهَا ومسديها والمنعم بهَا عَلَيْهِم فَهِيَ نعْمَته حَقًا وهم قابلوها واتى فِي الْكَمَال بِاللَّامِ المؤذنة بالاختصاص وَأَنه شَيْء خصوا بِهِ دون الامم وَفِي إتْمَام النِّعْمَة بعلى المؤذنة بالاستعلاء والاشتمال والاحاطة فجَاء اتممت فِي مُقَابلَة أكملت وَعَلَيْكُم فِي مُقَابلَة لكم ونعمتي فِي مُقَابلَة دينكُمْ واكد ذَلِك وزاده تقريرا وكمالا وإتماما للنعمة بقوله {ورضيت لكم الْإِسْلَام دينا} وَكَانَ بعض السّلف الصَّالح يَقُول ياله من دين لَو ان لَهُ رجَالًا وَقد ذكرنَا فصلا مُخْتَصرا فِي دلَالَة خلقه على وحدانيته وصفات كَمَاله ونعوت جَلَاله وأسمائه الْحسنى واردنا ان نختم بِهِ الْقسم الاول من الْكتاب ثمَّ راينا ان نتبعه فصلا فِي دلَالَة دينه وشرعه على وحدانيته وَعلمه وحكمته وَرَحمته وَسَائِر صِفَات كَمَاله إِذْ هَذَا من أشرف الْعُلُوم الَّتِي يكتسبها العَبْد فِي هَذِه الدَّار وَيدخل بهَا الى الدَّار الاخرة وَقد كَانَ الاولى بِنَا الامساك عَن ذَلِك لَان مَا يصفه الواصفون مِنْهُ وتنتهي اليه علومهم هُوَ كَمَا يدْخل الرجل اصبعه فِي اليم ثمَّ يَنْزِعهَا فَهُوَ يصف الْبَحْر بِمَا يعلق على إصبعه من البلل وَأَيْنَ ذَلِك من الْبَحْر فيظن السَّامع ان تِلْكَ الصّفة احاطت بالبحر وَإِنَّمَا هِيَ صفة مَا علق بالاصبع مِنْهُ وَإِلَّا فَالْأَمْر اجل وَأعظم وأوسع من ان تحيط عقول الْبشر بِأَدْنَى جُزْء مِنْهُ وماذا عَسى

<<  <  ج: ص:  >  >>