للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأما الضَّحَايَا والهدايا فقربان إِلَى الْخَالِق سُبْحَانَهُ تقوم مقَام الْفِدْيَة عَن النَّفس الْمُسْتَحقَّة للتلف فديَة وعوضا وقربانا إِلَى الله وتشبها بِإِمَام الحنفاء وإحياء لسنته أَن فدى الله وَلَده بالقربان فَجعل ذَلِك فِي ذُريَّته بَاقِيا أبدا وَأما الْإِيمَان وَالنُّذُور فعقود يعقدها العَبْد على نَفسه يُؤَكد بهَا مَا ألزم بِهِ نَفسه من الْأُمُور بِاللَّه وَللَّه فَهِيَ تَعْظِيم للخالق ولأسمائه ولحقه وَأَن تكون الْعُقُود بِهِ وَله وَهَذَا غَايَة التَّعْظِيم فَلَا يعْقد بِغَيْر اسْمه وَلَا لغير الْقرب إِلَيْهِ بل أَن حلف فباسمه تَعْظِيمًا وتبجيلا وتوحيدا وإجلالا وَأَن نذر فَلهُ توحيدا وَطَاعَة ومحبة وعبودية فَيكون هُوَ المعبود وَحده والمستعان بِهِ وَحده ٠ وَأما المطاعم والمشارب والملابس والمناكح فَهِيَ دَاخِلَة فِيمَا يُقيم الْأَبدَان ويحفظها من الْفساد والهلاك وَفِيمَا يعود بِبَقَاء النَّوْع الإنساني ليتم بذلك قوام الأجساد وَحفظ النَّوْع فيتحمل الْأَمَانَة الَّتِي عرضت على السَّمَوَات وَالْأَرْض ويقوى على حملهَا وأدائها ويتمكن من شكر مولى الْأَنْعَام ومسديه وَفرق فِي هَذِه الْأَنْوَاع بَين الْمُبَاح والمحظور وَالْحسن والقبيح والضار والنافع وَالطّيب والخبيث فَحرم مِنْهَا الْقَبِيح والخبيث والضار وأباح مِنْهَا الْحسن وَالطّيب والنافع كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله وَتَأمل ذَلِك فِي المناكح فَإِن من المستقر فِي الْعُقُول وَالْفطر أَن قَضَاء هَذَا الوطر فِي الْأُمَّهَات وَالْبَنَات وَالْأَخَوَات والعمات والخالات والجدات مستقبح فِي كل عقل مستهجن فِي كل فطْرَة وَمن الْمحَال أَن يكون الْمُبَاح من ذَلِك مُسَاوِيا للمحظور فِي نفس الْأَمر وَلَا فرق بَينهمَا إِلَّا مُجَرّد التحكم بِالْمَشِيئَةِ سُبْحَانَكَ هَذَا بهتان عَظِيم وَكَيف يكون فِي نفس الْأَمر نِكَاح الْأُم واستفراشها مُسَاوِيا لنكاح الْأَجْنَبِيَّة واستفراشها وَإِنَّمَا فرق بَينهمَا مَحْض الْآمِر وَكَذَلِكَ من الْمحَال أَن يكون الدَّم وَالْبَوْل والرجيع مُسَاوِيا للخبز وَالْمَاء والفاكهة وَنَحْوهَا وَإِنَّمَا الشَّارِع فرق بَينهمَا فأباح هَذَا وَحرم هَذَا مَعَ اسْتِوَاء الْكل فِي نفس الْأَمر وَكَذَلِكَ أَخذ المَال بِالْبيعِ وَالْهِبَة وَالْوَصِيَّة وَالْمِيرَاث لَا يكون مُسَاوِيا لأَخذه بالقهر وَالْغَلَبَة وَالْغَصْب وَالسَّرِقَة وَالْجِنَايَة حَتَّى يكون إِبَاحَة هَذَا وَتَحْرِيم هَذَا رَاجعا إِلَى مَحْض الْأَمر والنهى المفرق بَين المتماثلين وَكَذَلِكَ الظُّلم وَالْكذب والزور وَالْفَوَاحِش كَالزِّنَا واللواط وكشف الْعَوْرَة بَين الْمَلأ وَنَحْو ذَلِك كَيفَ يسوغ عقل عَاقل أَنه لَا فرق قطّ فِي نفس الْأَمر بَين ذَلِك وَبَين الْعدْل وَالْإِحْسَان والعفة والصيانة وَستر الْعَوْرَة وَإِنَّمَا الشَّارِع يحكم بِإِيجَاب هَذَا وَتَحْرِيم هَذَا وَهَذَا مِمَّا لَو عرض على الْعُقُول السليمة الَّتِي لم تدخل وَلم يَمَسهَا ميل للمثالات الْفَاسِدَة وتعظيم أَهلهَا وَحسن الظَّن بهم لكَانَتْ أَشد إنكارا لَهُ وَشَهَادَة بِبُطْلَانِهِ من كثير من الضروريات وَهل ركب الله فِي فطْرَة عَاقل قطّ أَن الْإِحْسَان والإساءة والصدق وَالْكذب والفجور والعفة وَالْعدْل وَالظُّلم وَقتل النُّفُوس وانجاءها بل السُّجُود لله وللصنم سَوَاء فِي نفس الْأَمر لَا فرق بَينهمَا وَإِنَّمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>