للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سُبْحَانَهُ بالدعوة وَخص بالهداية المفضية اليها فَمن هداه اليها فَهُوَ من دَعَاهُ اليها فَمن اهْتَدَى من الْجِنّ فَهُوَ من المدعوين اليها الثَّامِن قَوْله تَعَالَى وَيَوْم نحشرهم جَمِيعًا يَا معشر الْجِنّ قد استكثرتم من الانس وَقَالَ اولياؤهم من الانس رَبنَا استمتع بَعْضنَا بِبَعْض وبلغنا اجلنا الَّذِي اجلت لنا قَالَ النَّار مثواكم خَالِدين فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ الله ان رَبك حَكِيم عليم وَكَذَلِكَ نولي بعض الظَّالِمين بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ يَا معشر الْجِنّ والانس الم ياتكم رسل مِنْكُم يقصون عَلَيْكُم آياتي وينذرونكم لِقَاء يومكم هَذَا قَالُوا شَهِدنَا على انفسنا وغرتهم الْحَيَاة الدُّنْيَا وشهدوا على انفسهم انهم كَانُوا كَافِرين ذَلِك ان لم يكن رَبك مهلك الْقرى بظُلْم واهلها غافلون وَلكُل دَرَجَات مِمَّا عمِلُوا وَهَذَا عَام فِي الْجِنّ والانس فاخبرهم تَعَالَى ان لكلهم دَرَجَات من عمله فَاقْتضى ان يكون لمحسنهم دَرَجَات من عمله كَمَا لمحسن الانس التَّاسِع قَوْله تَعَالَى إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا تتنزل عَلَيْهِم الْمَلَائِكَة ان لَا تخافوا ولاتحزنوا وَأَبْشِرُوا بِالْجنَّةِ الَّتِي كُنْتُم توعدون وقولوه تَعَالَى {إِن الَّذين قَالُوا رَبنَا الله ثمَّ استقاموا فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ أُولَئِكَ أَصْحَاب الْجنَّة خَالِدين فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يعْملُونَ} وَوجه التَّمَسُّك بالاية من جوه ثَلَاثَة احدها عُمُوم الِاسْم الْمَوْصُول فِيهَا الثَّانِي ترتيبه الْجَزَاء المذكورعلى الْمَسْأَلَة ليدل على انه مُسْتَحقّ بهَا وَهُوَ قَول رَبنَا الله مَعَ الاسْتقَامَة وَالْحكم يعم بِعُمُوم علته فَإِذا كَانَ دُخُول الْجنَّة مُرَتبا على الاقرار بِاللَّه وربوبيته مَعَ الاسْتقَامَة على امْرَهْ فَمن اتى ذَلِك اسْتحق الْجَزَاء الثَّالِث انه قَالَ فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ اولئك اصحاب الْجنَّة خَالِدين فِيهَا جَزَاء بِمَا كانوايعملون فَدلَّ على ان كل من لَا خوف عَلَيْهِ وَلَا حزن فَهُوَ من اهل الْجنَّة وَقد تقدم فِي اول الايات قَوْله تَعَالَى فَمن اتبع هُدَايَ فَلَا خوف عَلَيْهِم وَلَا هم يَحْزَنُونَ وانه متناول لِلْفَرِيقَيْنِ ودلت هَذِه الاية على ان من لَا خوف عَلَيْهِ وَلَا حزن فَهُوَ من اهل الْجنَّة الْعَاشِر انه إِذا دخل مسيئهم النَّار بِعدْل الله فدخول محسنهم الْجنَّة بفضله وَرَحمته اولى فَإِن رَحمته سبقت غَضَبه وَالْفضل اغلب من الْعدْل وَلِهَذَا لَا يدْخل النَّار الا من عمل اعمال اهل النَّار واما الْجنَّة فيدخلها من لم يعْمل خيرا قطّ بل ينشيء لَهَا أَقْوَامًا يسكنهم إِيَّاهَا من غير عمل عملوه وَيرْفَع فِيهَا دَرَجَات العَبْد من غير سعي مِنْهُ بل بِمَا يصل اليه من دُعَاء الْمُؤمنِينَ وصلاتهم وصدقتهم وأعمال الْبر الَّتِي يهدونها اليه بِخِلَاف اهل النَّار فَإِنَّهُ لَا يعذب فِيهَا بِغَيْر عمل اصلا وَقد ثَبت بِنَصّ الْقُرْآن واجماع الامة ان مسيء الْجِنّ فِي النَّار بِعدْل الله وَبِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ فمحسنهم فِي الْجنَّة بِفضل الله بِمَا كَانُوا يعْملُونَ لَكِن قيل انهم يكونُونَ فِي ربض الْجنَّة يراهم اهل الْجنَّة وَلَا يرونهم كَمَا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يرَوْنَ بني آدم من حَيْثُ لَا يرونهم وَمثل هَذَا لايعلم الا بتوقيف تَنْقَطِع الْحجَّة عِنْده فَإِن ثبتَتْ حجَّة يجب اتباعها وَإِلَّا فَهُوَ مِمَّا يحْكى ليعلم وَصِحَّته مَوْقُوفَة على الدَّلِيل وَالله أعلم

<<  <  ج: ص:  >  >>