والبقة فَكيف يسمح لعاقل عقله أَن يُسَوِّي بَينهمَا وَيجْعَل الدّلَالَة من هَذَا كالدلالة من الآخر وَالله سُبْحَانَهُ إِنَّمَا يذكر من مخلوقاته للدلالة عَلَيْهِ أشرفها وأظهرها للحس وَالْعقل وأبينها دلَالَة وأعجبها صَنْعَة كالسماء وَالْأَرْض وَالشَّمْس وَالْقَمَر وَاللَّيْل وَالنَّهَار والنجوم وَالْجِبَال والسحاب والمطر وَغير ذَلِك من آياتة وَلَا يَدْعُو عباده إِلَى التفكر فِي الْقمل والبراغيث والبعوض والبق وَالْكلاب والحشرات وَنَحْوهَا إِنَّمَا يذكر مَا يذكر من ذَلِك فِي سِيَاق ضرب الْأَمْثَال مُبَالغَة فِي الاحتقار والضعف كَقَوْلِه تَعَالَى أَن الَّذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا وَلَو اجْتَمعُوا لَهُ وَإِن يسلبهم الذُّبَاب شَيْئا لَا يستنفذوه مِنْهُ فَهُنَا لم يذكر الذُّبَاب فِي سِيَاق الدّلَالَة على إِثْبَات الصَّانِع تَعَالَى وَكَذَلِكَ قَوْله {إِن الله لَا يستحيي أَن يضْرب مثلا مَا بعوضة فَمَا فَوْقهَا} وَكَذَلِكَ قَوْله {مثل الَّذين اتَّخذُوا من دون الله أَوْلِيَاء كَمثل العنكبوت اتَّخذت بَيْتا وَإِن أوهن الْبيُوت لبيت العنكبوت} فَتَأمل ذكر هَذِه الْمَخْلُوقَات الحقيرة فِي أى سِيَاق وَذكر الْمَخْلُوقَات الْعَظِيمَة فِي أى سِيَاق
وَأما قَول من قَالَ من الْمُتَكَلِّمين المتكلفين أَن دلَالَة حُصُول الْحَيَاة فِي الْأَبدَان الحيوانية أقوى من دلَالَة السَّمَوَات وَالْأَرْض على وجود الصَّانِع تَعَالَى فبناء هَذَا الْقَائِل على الأَصْل الْفَاسِد وَهُوَ إِثْبَات الْجَوْهَر الْفَرد وَإِن تَأْثِير الصَّانِع تَعَالَى فِي خلق الْعَالم الْعلوِي والسفلي هُوَ تركيب تِلْكَ الْجَوَاهِر وتأليفها هَذَا التَّأْلِيف الْخَاص والتركيب جنسه مَقْدُور للبشر وَغَيرهم وَأما الْأَحْدَاث والاختراع فَلَا يقدر عَلَيْهِ إِلَّا الله وَالْقَوْل بالجوهر الْفَرد وَبِنَاء المبدأ والمعاد عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ من اصول الْمُتَكَلِّمين الْفَاسِدَة الَّتِى نازعهم فِيهَا جُمْهُور الْعُقَلَاء قَالُوا وَخلق الله تَعَالَى وإحداثه لما يحدثه من أجسام الْعَالم هُوَ إِحْدَاث لأجزائها وذواتها لَا مُجَرّد تركيب الْجَوَاهِر مُنْفَرِدَة ثمَّ قد فرغ من خلقهَا وصنعه وإبداعه الْآن إِنَّمَا هُوَ فِي تأليفها وتركيبها وَهَذَا من اقوال اهل الْبدع الَّتِى ابتدعوها فِي الْإِسْلَام وبنوا عَلَيْهَا الْمعَاد وحدوث الْعَالم فسلطوا عَلَيْهِم أَعدَاء الْإِسْلَام وَلم يُمكنهُم كسرهم لما بنوا المبدأ والمعاد على أَمر وهمى خيالى وظنوا انه لَا يتم لَهُم القَوْل بحدوث الْعَالم وإعادة الْأَجْسَام إِلَّا بِهِ وَأقَام منازعوهم حجَجًا كَثِيرَة جدا على بطلَان القَوْل بالجوهر واعترافهم بِقُوَّة كثير مِنْهَا وَصِحَّته فأوقع ذَلِك شكا لكثير مِنْهُم فِي أَمر المبدأ والمعاد لبنائه على شفا جرف هار وَأما ائمة الْإِسْلَام وفحول النظار فَلم يعتمدوا على هَذِه الطَّرِيقَة وَهِي عِنْدهم أَضْعَف وأوهي من أَن يبنوا عَلَيْهَا شَيْئا من الدّين فضلا عَن حُدُوث الْعَالم وإعادة الْأَجْسَام وَإِنَّمَا اعتمدوا على الطّرق الَّتِى أرشد الله سُبْحَانَهُ إِلَيْهَا فِي كِتَابه وَهِي حُدُوث ذَات الْحَيَوَان والنبات وَخلق نفس الْعَالم الْعلوِي والسفلي وحدوث السَّحَاب والمطر والرياح وَغَيرهَا من الْأَجْسَام الَّتِى يُشَاهد حدوثها بذواتها لامجرد حُدُوث تأليفها وتركيبها فَعِنْدَ الْقَائِلين بالجوهر لَا يشْهد ان الله أحدث فِي هَذَا الْعَالم شَيْئا من
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute