للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنه إِلَى تَمام ذكر الْقِصَّة فَهَذِهِ الْحِكَايَة إِن صحت فهى من جنس أَخْبَار الْكُهَّان بشىء من المغيبات وَقد أخبر ابْن صياد النَّبِي بِمَا خبأ لَهُ فِي ضَمِيره فَقَالَ لَهُ أَنْت من إخْوَان الْكُهَّان وَعلم تقدمه الْمعرفَة لَا تخْتَص يما ذكره المنجمون بل لَهُ عدَّة اسباب يُصِيب ويخطىء وَيصدق الحكم مَعهَا ويكذب مِنْهَا الكهانة وَمِنْهَا المنامات وَمِنْهَا الفأل والزجر وَمِنْهَا السانح والبارح وَمِنْهَا الْكَفّ وَمِنْهَا ضرب الْحَصَى وَمِنْهَا الْحَظ فِي الأَرْض وَمِنْهَا الكشوف المستندة إِلَى الرياضة وَمِنْهَا الفراسة وَمِنْهَا الجزاية وَمِنْهَا علم الْحُرُوف وخواصها إِلَى غير ذَلِك من الْأُمُور الَّتِى ينَال يها جُزْء يسير من علم الْكُهَّان وَهَذَا نَظِير الْأَسْبَاب الَّتِى يسْتَدلّ بهَا الطَّبِيب والفلاح والطبائعى على أُمُور غيبية بِمَا تَقْتَضِيه تِلْكَ الْأَدِلَّة مِثَال الطَّبِيب إِذا رأى الْجرْح مستديرا حكم بِأَنَّهُ عسر الْبُرْء وَإِذا رَآهُ مستطيلا حكم بِأَنَّهُ أسْرع برءا وَكَذَلِكَ عَلَامَات البحارين وَغَيرهَا وَمن تَأمل مَا ذكره بقراط فِي علائم الْمَوْت رأى الْعَجَائِب وهى عَلَامَات صَحِيحَة مجربة وَكَذَلِكَ مَا علم بِهِ الربان فِي أُمُور تحدث فِي الْبَحْر وَالرِّيح بعلامات تدل على ذَلِك من طُلُوع كَوْكَب أَو غروبه أَو عَلَامَات أُخْرَى فَيَقُول يقطع مطر أَو يحدث ريح كَذَا وَكَذَا أَو يضطرب الْبَحْر فِي مَكَان كَذَا وَوقت كَذَا فَيَقَع مَا يحكم بِهِ وَكَذَلِكَ الْفَلاح يرى عَلَامَات فَيَقُول هَذِه الشَّجَرَة يُصِيبهَا كَذَا وتيبس فِي وَقت كَذَا وَهَذِه الشَّجَرَة لَا تحمل الْعَام وَهَذِه تحمل وَهَذَا النَّبَات يُصِيبهُ كَذَا وَكَذَا لما يرى من عَلَامَات يخْتَص هُوَ بمعرفتها بل هَذَا أَمر لَا يخْتَص بالإنسان بل كثير من الْحَيَوَان يعرف أَوْقَات الْمَطَر والصحو وَالْبرد وَغَيره كَمَا ذكره النَّاس فِي كتب الْحَيَوَان وَالْفرس الردىء الْخلق إِذا رأى اللجام من بعيد نفر وجزع وعض من يُرِيد ان يلجمه علما مِنْهُ بِمَا يكون بعد اللجام وَهَذِه النملة إِذا خزنت الْحبّ فِي بيوتها كَسرته بنصفين علما مِنْهَا بِأَنَّهُ ينْبت إِذا كَانَ صَحِيحا وَأَنه إِذا انْكَسَرَ لَا ينْبت فَإِذا خزنت الْكَفَرَة كسرتها بأَرْبعَة أَربَاع علما مِنْهَا بِأَنَّهَا تنْبت إِذا كسرت بنصفين وَهَذَا السنور يدْفن أَذَاهُ ويغطيه بِالتُّرَابِ علما مِنْهُ بِأَن الفأر تهرب من رَائِحَته فيفوته الصَّيْد ويشمه أَولا فَإِن وجد رَائِحَته شَدِيدَة غطاه بِحَيْثُ يوارى الرَّائِحَة والجرم وَإِلَّا اكْتفى بأيسر التغطية وَهَذَا الْأسد إِذا مَشى فِي لين سحب ذَنبه على آثَار رجلَيْهِ ليفطيها علما مِنْهُ بِأَن الْمَار يرى مواطىء رجلَيْهِ وَيَديه وَإِذا ألف السنور الْمنزل منع غَيره من السنانير الدُّخُول إِلَى ذَلِك الْمنزل وحاربهم أَشد محاربة وهم من جنسه علما مِنْهُ بِأَن أربابه رُبمَا استحسنوه وقدموه عَلَيْهِ أَو شاركوا بَينهمَا فِي الْمطعم وَأَن أَخذ شَيْئا مِمَّا يجْزِيه أَصْحَاب الْمنزل عَنهُ هرب علما بِمَا يكون إِلَيْهِ مِنْهُم من الضَّرْب فَإِذا ضربوه تملقهم أَشد التملق وتمسح بهم ولطع أَقْدَامهم علما مِنْهُ بِمَا يحصله لَهُ الملق من الْعَفو وَالْإِحْسَان وَهَذَا فِي الْحَيَوَان البهيم أَكثر من أَن

<<  <  ج: ص:  >  >>