للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يتم قَضَاؤُهُ وَقدره فتوصف الْمَرْأَة بالشؤم لذَلِك وَكَذَلِكَ الْفرس وَإِن لم يكن لشَيْء من ذَلِك فعل وَلَا تَأْثِير

وَقَالَ ابْن الْقَاسِم سُئِلَ مَالك عَن الشؤم فِي الْفرس وَالدَّار فَقَالَ إِن ذَلِك كذب فِيمَا نرى كم من دَار قد سكنها نَاس فهلكوا ثمَّ سكنها آخَرُونَ فملكوا قَالَ فَهَذَا تَفْسِيره فِيمَا نرى وَالله أعلم

وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى شُؤْم الدَّار مجاورة جَار السوء وشؤم الْفرس أَن يغزى عَلَيْهَا فِي سَبِيل الله وشؤم الْمَرْأَة أَن لَا تَلد وَتَكون سَيِّئَة الْخلق وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى مِنْهُم الخطائي هَذَا مُسْتَثْنى من الطَّيرَة أَي الطَّيرَة منهى عَنْهَا إِلَّا أَن يكون لَهُ دَار يكره سكناهَا أَو امْرَأَة يكره صحبتهَا أَو فرس أَو خَادِم فليفارق الْجَمِيع بِالْبيعِ وَالطَّلَاق وَنَحْوه وَلَا يُقيم على الْكَرَاهَة والتأذي بِهِ فَإِنَّهُ شُؤْم وَقد سلك هَذَا المسلك أَبُو مُحَمَّد بن قُتَيْبَة فِي كتاب مُشكل الحَدِيث لَهُ لما ذكر أَن بعض الْمَلَاحِدَة اعْترض بِحَدِيث هَذِه الثَّلَاثَة

وَقَالَت طَائِفَة أُخْرَى الشؤم فِي هَذِه الثَّلَاثَة إِنَّمَا يلْحق من تشاءم بهَا وَتَطير بهَا فَيكون شؤمها عَلَيْهِ وَمن توكل على الله وَلم يتشاءم وَلم يتطير لم تكن مشؤمة عَلَيْهِ قَالُوا وَيدل عَلَيْهِ حَدِيث أنس الطَّيرَة على من تطير وَقد يَجْعَل الله سُبْحَانَهُ تطير العَبْد وتشاؤمه سَببا لحلول الْمَكْرُوه بِهِ كَمَا يَجْعَل الثِّقَة والتوكل عَلَيْهِ وإفراده بالخوف والرجاء من أعظم الْأَسْبَاب الَّتِي يدْفع بهَا الشَّرّ المتطير بِهِ وسر هَذَا أَن الطَّيرَة إِنَّمَا تَتَضَمَّن الشّرك بِاللَّه تَعَالَى وَالْخَوْف من غَيره وَعدم التَّوَكُّل عَلَيْهِ والثقة بِهِ كَانَ صَاحبهَا غَرضا لسهام الشَّرّ وَالْبَلَاء فيتسرع نفوذها فِيهِ لِأَنَّهُ لم يتدرع من التَّوْحِيد والتوكل بجنة واقية وكل من خَافَ شَيْئا غير الله سلط عَلَيْهِ كَمَا أَن من أحب مَعَ الله غَيره عذب بِهِ وَمن رجا مَعَ الله غَيره خذل من جِهَته وَهَذِه أُمُور تجربتها تَكْفِي عَن أدلتها وَالنَّفس لَا بُد أَن تتطير وَلَكِن الْمُؤمن الْقوي الايمان يدْفع مُوجب تطيره بالتوكل على الله فان من توكل على الله وَحده كَفاهُ من غَيره قَالَ تَعَالَى فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه من الشَّيْطَان الرَّجِيم إِنَّه لَيْسَ لَهُ سُلْطَان على الَّذين آمنُوا وعَلى رَبهم يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانه على الَّذين يتولونه وَالَّذين هم بِهِ مشركون وَلِهَذَا قَالَ ابْن مَسْعُود وَمَا منا إِلَّا يَعْنِي من يُقَارب التطير وَلَكِن الله يذهبه بالتوكل وَمن هَذَا قَول زبان بن سيار:

أطار الطير إِذْ سرنا زِيَاد ... لتخبرنا وَمَا فِيهَا خَبِير

أَقَامَ كَانَ لُقْمَان بن عَاد ... أَشَارَ لَهُ بِحِكْمَتِهِ مشير

تعلم أَنه لَا طير إِلَّا ... على متطير وَهُوَ الثبور

بل شَيْء يُوَافق بعض شَيْء ... أحايينا وباطله كثير

قَالُوا فالشؤم الَّذِي فِي الدَّار وَالْمَرْأَة وَالْفرس قد يكون مَخْصُوصًا بِمن تشاءم بهَا وَتَطير وَأما من توكل على الله وخافه وَحده وَلم يتطير وَلم يتشاءم فان الْفرس وَالْمَرْأَة وَالدَّار لَا يكون شؤما

<<  <  ج: ص:  >  >>