للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَا يتَضَمَّن إبِْطَال الدَّعْوَى وَهُوَ قَوْله فَمن أعدى الأول وَهَذَا أصح من حَدِيث أبي عطيه الْمُتَقَدّم وَحِينَئِذٍ فَيرجع إِلَى مَسْلَك التلقيح الْمَذْكُور آنِفا أَو مَا قبله من المسالك وَعِنْدِي فِي الْحَدِيثين مَسْلَك آخر يتَضَمَّن إِثْبَات الْأَسْبَاب وَالْحكم وَنفى مَا كَانُوا عَلَيْهِ من الشّرك واعتقاد الْبَاطِل وَوُقُوع النَّفْي وَالْإِثْبَات على وَجهه فَإِن الْعَوام كَانُوا يثبتون الْعَدْوى على مَذْهَبهم من الشّرك الْبَاطِل كَمَا يَقُوله المنجمون من تَأْثِير الْكَوَاكِب فِي هَذَا الْعَالم وسعودها ونحوسها كَمَا تقدم الْكَلَام عَلَيْهِم وَلَو قَالُوا أَنَّهَا اسباب أَو اجزاء اسباب إِذْ شَاءَ الله صرف مقتضياتها بمشيئته وإرادته وحكمته وَأَنَّهَا مسخرة بأَمْره لما خلقت لَهُ وَأَنَّهَا فِي ذَلِك بِمَنْزِلَة سَائِر الْأَسْبَاب الَّتِي ربط بهَا مسبباتها وَجعل لَهَا أسبابا أخر تعارضها وتمانعها وتمنع اقتضاءها لما جعلت أسبابا لَهُ وَإِنَّهَا لَا تقضي مسبباتها إِلَّا بِإِذْنِهِ مَشِيئَته وإرادته لَيْسَ لَهَا من ذَاتهَا ضرّ وَلَا نفع وَلَا تَأْثِير الْبَتَّةَ إِن هِيَ إِلَّا خلق مسخر مصرف مربوب لَا تتحرك إِلَّا بِإِذن خَالِقهَا ومشيئته وغايتها أَنَّهَا جُزْء سَبَب لَيست سَببا تَاما فسببيتها من جنس سَبَبِيَّة وَطْء الْوَالِد فِي حُصُول الْوَلَد فَإِنَّهُ جُزْء وَاحِد من أَجزَاء كَثِيرَة من الْأَسْبَاب الَّتِي خلق الله بهَا الْجَنِين وكسببية شقّ الأَرْض وإلقاء الْبذر فَإِنَّهُ جُزْء يسير من جملَة الْأَسْبَاب الَّتِي يكون الله بهَا النَّبَات وَهَكَذَا جملَة أَسبَاب الْعَالم من الْغذَاء والرواء والعافية والسقم وَغير ذَلِك وَأَن الله سُبْحَانَهُ جعل من ذَلِك سَببا مَا يَشَاء وَيبْطل السَّبَبِيَّة عَمَّا يَشَاء ويخلق من الْأَسْبَاب الْمُعَارضَة لَهُ مَا يحول بَينه وَبَين مُقْتَضَاهُ فهم لَو أثبتوا الْعَدْوى على هَذَا الْوَجْه لما أنكر عَلَيْهِم كَمَا أَن ذَلِك ثَابت فِي الدَّاء والدواء وَقد تداوى النَّبِي وَأمر بالتداوي وَأخْبر أَنه مَا أنزل الله دَاء إِلَّا أنزل لَهُ دَوَاء إِلَّا الْهَرم فأعلمنا أَنه خَالق أَسبَاب الدَّاء وَأَسْبَاب الدَّوَاء الْمُعَارضَة المقاومة لَهَا وأمرنا بِدفع تِلْكَ الْأَسْبَاب الْمَكْرُوهَة بِهَذِهِ الْأَسْبَاب وعَلى هَذَا قيام مصَالح الدَّاريْنِ بل الْخلق وَالْأَمر مَبْنِيّ على هَذِه الْقَاعِدَة فَإِن تَعْطِيل الْأَسْبَاب وإخراجها عَن أَن تكون أسبابا تَعْطِيل للشَّرْع ومصالح الدُّنْيَا والإعتماد عَلَيْهَا والركون إِلَيْهَا واعتقاد أَن المسببات بهَا وَحدهَا وَأَنَّهَا أَسبَاب تَامَّة شرك بالخالق عز وَجل وَجَهل بِهِ وَخُرُوج عَن حَقِيقَة التَّوْحِيد وَإِثْبَات مسببيتها على الْوَجْه الَّذِي خلقهَا الله عَلَيْهِ وَجعلهَا لَهُ إِثْبَات لِلْخلقِ وَالْأَمر للشَّرْع وَالْقدر للسبب والمشيئة للتوحيد وَالْحكمَة فالشارع يثبت هَذَا وَلَا يَنْفِيه وينفي مَا عَلَيْهِ الْمُشْركُونَ من اعْتِقَادهم فِي ذَلِك وَيُشبه هَذَا نَفْيه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الشَّفَاعَة فِي قَوْله وَاتَّقوا يَوْمًا لَا تجزى نفس عَن نفس شَيْئا وَلَا يقبل مِنْهَا شَفَاعَة وَلَا يُؤْخَذ مِنْهَا عدل وَفِي الْآيَة الْأُخْرَى وَلَا تنفعها شَفَاعَة وَفِي قَوْله من قبل أَن يَأْتِي يَوْم لَا بيع فِيهِ وَلَا خلة وَلَا شَفَاعَة وإثباتها فِي قَوْله وَلَا يشفعون إِلَى لمن ارتضى وَقَوله من ذَا الَّذِي يشفع عِنْده إِلَّا باذنه وَقَوله لَا يملكُونَ الشَّفَاعَة إِلَّا من اتخذ عِنْد الرَّحْمَن عهدا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>