مُوجبا بِمُجَرَّدِهِ لدُخُول الْجنَّة وَلَا عوضا لَهَا فَإِن اعماله وَإِن وَقعت مِنْهُ على الْوَجْه الَّذِي يُحِبهُ الله ويرضاه فَهِيَ لَا تقاوم نعْمَة الله الَّتِي انْعمْ بهَا عَلَيْهِ فِي دَار الدُّنْيَا وَلَا تعادلها بل لَو حَاسبه لوقعت اعماله كلهَا فِي مُقَابلَة الْيَسِير من نعمه وَتبقى بَقِيَّة النعم مقتضية لشكرها فَلَو عذبه فِي هَذِه الْحَالة لعذبه وَهُوَ غير ظَالِم لَهُ وَلَو رَحمَه لكَانَتْ رَحمته خيرا لَهُ من عمله كَمَا فِي السّنَن من حَدِيث زيد بن ثَابت وَحُذَيْفَة وَغَيرهمَا مَرْفُوعا الى النَّبِي انه قَالَ ان الله لَو عذب أهل سمواته وَأهل ارضه لعذبهم وَهُوَ غير ظَالِم لَهُم وَلَو رَحِمهم لكَانَتْ رَحمته خيرا لَهُم من اعمالهم وَالْمَقْصُود ان حكمته سُبْحَانَهُ اقْتَضَت خلق الْجنَّة دَرَجَات بَعْضهَا فَوق بعض وعمارتها بِآدَم وَذريته وَإِنْزَالهمْ فِيهَا بِحَسب اعمالهم ولازم هَذَا إنزالهم الى دَار الْعَمَل والمجاهدة وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ خلق آدم وَذريته ليستخلفهم فِي الارض كَمَا اخبر سُبْحَانَهُ فِي كِتَابه بقوله {إِنِّي جَاعل فِي الأَرْض خَليفَة} وَقَوله {وَهُوَ الَّذِي جعلكُمْ خلائف الأَرْض} وَقَالَ {ويستخلفكم فِي الأَرْض} فَأَرَادَ سُبْحَانَهُ ان يَنْقُلهُ وَذريته من هَذَا الِاسْتِخْلَاف الى توريثه جنَّة الْخلد وَعلم سُبْحَانَهُ بسابق علمه انه لضَعْفه وقصور نظره قد يخْتَار العاجل الخسيس على الاجل النفيس فَإِن النَّفس مولعة بحب العاجلة وإيثارها على الاخرة وَهَذَا من لَوَازِم كَونه خلق من عجل وَكَونه خلق عجولا فَعلم سُبْحَانَهُ مَا فِي طَبِيعَته من الضعْف والخور فاقتضت حكمته ان ادخله الْجنَّة ليعرف النَّعيم الَّذِي اعد لَهُ عيَانًا فَيكون اليه اشوق وَعَلِيهِ احرص وَله اشد طلبا فَإِن محبَّة الشَّيْء وَطَلَبه والشوق اليه من لَوَازِم تصَوره فَمن بَاشر طيب شَيْء ولذته وتذوق بِهِ لم يكد يصبر عَنهُ وَهَذَا لَان النَّفس ذواقة تواقة فَإِذا ذاقت تاقت وَلِهَذَا إِذا ذاق العَبْد طعم حلاوة الايمان وخالطت بشاشته قلبه رسخ فِيهِ حبه وَلم يُؤثر عَلَيْهِ شَيْئا ابدا وَفِي الصَّحِيح من حَدِيث ابي هُرَيْرَة رضى الله عَنهُ الْمَرْفُوع ان الله عز وَجل يسْأَل الْمَلَائِكَة فَيَقُول مَا يسألني عبَادي فَيَقُولُونَ يَسْأَلُونَك الْجنَّة فَيَقُول وَهل رأوها فَيَقُولُونَ لَا يَا رب فَيَقُول كَيفَ لَو رأوها فَيَقُولُونَ لَو رأوها لكانوا أَشد لَهَا طلبا فاقتضت حكمته ان اراها أباهم وَأَسْكَنَهُ إِيَّاهَا ثمَّ قصّ على بنيه قصَّته فصاروا كَأَنَّهُمْ مشاهدون لَهَا حاضرون مَعَ ابيهم فَاسْتَجَاب من خلق لَهَا وخلقت لَهُ وسارع اليها فَلم يثنه عَنْهَا العاجلة بل يعد نَفسه كانه فِيهَا ثمَّ سباه الْعَدو فيراها وَطنه الاول فَهُوَ دَائِم الحنين الى وَطنه وَلَا يقر لَهُ قَرَار حَتَّى يرى نَفسه فِيهِ كَمَا قيل:
نقل فُؤَادك حَيْثُ شِئْت من الْهوى ... مَا الْحبّ إِلَّا للحبيب الاول كم منزل فِي الارض يألفه الْفَتى ... وحنينه ابدا لاول منزل ولي من ابيات تلم بِهَذَا الْمَعْنى: