فلابد والله تعالى أعلم بحكم هذا الوعد الصادق أن يرجع الإسلام إلى واحد كما بدأ من واحد، ويضعف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى إذا قام به قائم مع احتواشه بالمخاوف, وباع نفسه من الله تعالى في الدعاء إليه كان له من الأجر أضعاف ما كان لمن كان متمكنًا منه, معانًا عليه بكثرة الدعاة إلى الله تعالى، وذلك قوله:"لأنكم تجدون على الخير أعوانًا, وهم لا يجدون عليه أعوانًا" حتى ينقطع ذلك انقطاعًا تامًّا؛ لضعف الدين, وقلة اليقين.
كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله: الله" رواه مسلم, ويروى برفع الهاء ونصبها؛ فالرفع على معنى: لا يبقى موحد يذكر الله عز وجل؛ والنصب على معنى: لا يبقى آمر بمعروف, وناهٍ عن منكر.
٣- ومن فوائده أيضًا:
أنه قال: كنت بمجلس الوزير العادل أبي منصور بن جهير؛ فقرأ القارئ:{تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلام} , وكنت بظهر أبي الوفاء بن عقيل إمام الحنبلية بمدينة السلام, وكان معتزلي الأصول، فلما سمعت الآية, قلت لصاحب لي كان يجلس على يساري: هذه الآية دليل على رؤية الله تعالى في الآخرة، فإن العرب لا تقول: لقيت فلانًا إلا إذا رأته، فصرف أبو الوفاء وجهه مصرعًا إلينا؟ وقال: ينتصر لمذهب الاعتزال في أن الله لا يرى في الآخرة، فقد قال تعالى:{فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ} , وعندك أن المنافقين لا يرون الله تعالى في الآخرة, وقد شرحنا وجه الآية في المشكلين وتقدير الآية: فأعقبهم هو نفاقًا في قلوبهم إلى يوم يلقونه؛ فيحتمل ضمير {يَلْقَوْنَهُ} أن يعود إلى ضمير الفاعل في {أَعْقَبَهُمْ} المقدر بقولنا "هو", ويحتمل أن يعود إلى النفاق مجازًا على تقدير الجزاء". اهـ.