للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٢١ - باب كُفْرَانِ العشير وكفرٍ دون كفرٍ)

أراد بالترجمة التنبيه على أن المراد في الرواية ليس حقيقة الكفر، بل المراد كفرٌ دون كفر.

قال الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع" (١): هذا تصريح بما ذهبنا إليه من أن الأعمال ليست بداخلة في أصل الإيمان، إذ لو كان كذلك لما تحقق كفر دون كفر، بل كان مرتكب السيئات كافرًا، وغرضه من عقد الباب الرد على المعتزلة القائلين بإثبات المنزلة بين الإيمان والكفر، وأن مرتكب الكبيرة خارج من الإيمان، وحاصل الرد: أن إطلاق المؤمن على مرتكب الكبيرة شائع في الآيات والروايات، فما ورد في مثل تلك المعاصي من لفظ الكفر فالمراد به غير ما هو نقيض الإيمان، فإن الكفر أنواع بعضها أكمل من بعض، وأقصى أنواعه الكفر المقابل للإيمان، والرواية مصرِّحة بالترجمة، انتهى.

وفي هامشه: قال بعض العلماء: الكفر أربعة أنواع: كفر إنكار، وجحود، ومعاندة، ونفاق، وهذه الأربعة من لقي الله بواحدة منها لم يغفر له، فكفر الإنكار: أن يكفر بقلبه ولسانه وأن لا يعرف ما يذكر له، وكفر الجحود: أن يعرف بقلبه ولا يقر بلسانه ككفر إبليس، وكفر المعاندة: أن يعرف بقلبه ويقر بلسانه ويأبى أن يقبل الإيمان ككفر أبي طالب، وكفر النفاق ظاهر.

قال النووي (٢): إن الشرع أطلق الكفر على ما سوى الأربعة ككفران الحقوق والنعم، فمن ذلك حديث الباب، وحديث: "لا ترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض" وأشباهه، وهذا مراد البخاري بقوله: وكفر دون كفر، إلى آخر ما بسطه فيه.


(١) "لامع الدراري" (١/ ٥٦٩).
(٢) "مختصر شرح صحيح البخاري" للنووي (ص ٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>