للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المحدثين الحافظ ابن حجر نوَّر الله مرقده كثيرًا ما يَعِدُ ذكر بعض الأبحاث في موضع ثم لا نجده فيها، والظاهر أن هذا من قصور تتبعنا، ولا يبعد أنه رضي الله تعالى عنه يريد ذكره، ولما وصل إلى الموضع الموعود نسيه.

[(٣٦ - باب خوف المؤمن أن يحبط عمله)]

قال النووي في "شرحه" (١): فيه رد على المرجئة في قولهم الباطل: إن الله تعالى لا يعذب على شيء من المعاصي من قال: لا إله إلا الله، ولا يحبط شيئًا من أعماله، وأن إيمان المطيع والعاصي سواء، وذكر أقوال الصحابة والتابعين الخائفين عن ذلك، انتهى.

وقال القسطلاني (٢): لا يقال في الباب تقوية لمذهب الإحباطية القائلين بإحباط الأعمال بالسيئات، وحكموا على العاصي بالكفر؛ لأن مراد المصنف إحباط الثواب فقط، انتهى.

بسط الشيخ قُدِّس سرُّه على هذا الباب في "اللامع" (٣) كلامًا طويلًا لا يسعه هذا المختصر، وكذا بسط في هامشه في تأييد كلام الشيخ وتوضيح أقوال السلف، وجملة ما قال الشيخ: أشار المؤلف بذلك إلى أن المؤمن ليس من شأنه أن يأمن على نفسه الحبط والكفر، فإن المرء ما دام حيًّا يُخاف عليه الفتنة، فلا بد له من دوام المراقبة.

ثم إن للحبط مراتب: أدناها: أن لا يقع عمله على أفضل ما ينبغي أن يقع عليه، وأوسطها: أن لا يكون له قبول، وأعلى مراتب الحبط: سلب الإيمان والتأدية إلى الكفر، وبحسب هذه المراتب يتفاوت الإيمان قوة وضعفًا، وإن لم يكن لأحد من المؤمنين أمن من مراتب الحبط كلها، إلا أن غالب حاله الكون في مرتبة من تلك المراتب، وبحسبه يختلف اتصافه


(١) انظر: "مختصر شرح صحيح البخاري" للنووي (ص ١١٥)، وفيه: "ولا يحبط أعماله بشيء من الذنوب".
(٢) "إرشاد الساري" (١/ ٢٣٣).
(٣) "لامع الدراري" (١/ ٥٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>