للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٤ - الرابع: عدم جزم الحكم في الروايات المختلفة]

قد يترجم بمسألة اختلفت فيها الأحاديث، فيأتي بتلك الأحاديث على اختلافها ليقرب إلى الفقيه من بعده أمرها.

مثاله: "باب خروج النساء إلى البراز"، جمع فيه حديثين مختلفين، انتهى.

قلت: هذا أصل مطَّرد معروف عند الشرَّاح، يعبِّرون عنه بأن الروايات التي لا تترجّح إحداهما على الأخرى عند المصنف لا يجزم بالحكم في الترجمة. وأخذ شيخ المشايخ في تراجمه في "باب إذا حنث ناسيًا في الإيمان"، إذ قال: جمع البخاري في هذا الباب أحاديث، بعضها يدل على أن الناسي والجاهل لا يؤاخذان بما فعلا، ومن قضيتها أن لا تجب الكفارة. وبعضها يدل على أنهما يؤاخذان ببعض فعلهما، إلى آخر ما قال. وبهذا الأصل جزم ابن المنيِّر في الباب المذكور إذ قال: أورد الأحاديث المتجاذبة ليفيد الناظر مظانَّ النظر، ومن ثَمَّ لم يذكر الحُكم في الترجمة، بل أفاد مراد الحكم، والأصول التي تصلح أن يقاس عليها، إلى آخر ما في "الفتح" (١).

ويدخل في هذا الأصل عندي: "باب الصلاة على الشهيد"، إذ لم يجزم فيه المصنف بالحكم، وأورد فيه حديثين متعارضين، و"باب رفع الصوت في المسجد" لم يجزم فيه بحكم، وأورد الروايتين المختلفتين، ولا يلتبس عليك هذا الأصل بالأصل الخامس والثلاثين؛ لظهور الفرق بينهما؛ فإن عدم جزم الحكم ها هنا لمكان اختلاف الروايات وهناك لمكان اختلاف أهل العلم، وكذا لا يلتبسان هذان بالأصل السابع والأربعين، فإن عدم الجزم بالحكم فيه للتوسع في الحكم، فتميّز كل أصل عن أخويه، ولا تلتبس الثلاثة بالثامن والستين، فإن عدم الجزم فيه لمجرد الاحتمال.


(١) "فتح الباري" (١١/ ٥٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>