للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٦٢ - الثاني والستون: تغيير الترتيب الوجودي]

ما ظهر أيضًا، أن الإمام البخاري طالما يغيّر الترتيب الوجودي لمصلحة شحذ الأذهان ليتدبر في ذلك الناظر، ولم أر من نَبَّهَ على ذلك الأصل من كلام المشايخ المذكورين في الفائدة الثانية.

مثاله: أنه ترجم "باب الأذان بعد الفجر" على الأذان قبل الفجر، قال الزين بن المنيِّر: قدَّم المصنف ترجمة الأذان بعد الفجر على ترجمة الأذان قبل الفجر، فخالف الترتيب الوجودي؛ لأن الأصل في الشرع أن لا يؤذن إلا بعد دخول الوقت، فقدم ترجمة الأصل على ما ندر عنه، وأشار ابن بطال إلى الاعتراض على الترجمة، بأنه لا خلاف بينه وبين الأئمة، وإنما الخلاف في جوازه قبل الفجر.

والذي يظهر لي أن مراد المصنف بالترجمتين أن يُبَيِّن أن المعنى الذي كان يؤذَّن لأجله قبل الفجر غير المعنى الذي كان يؤذَّن لأجله بعد الفجر، وأن الأذان قبل الفجر لا يكتفى به عن الأذان بعده، كذا في "الفتح" (١).

وهذا هو الوجه عندي: أن الأذان بعد الفجر لما كان أصل أذان الصلاة بخلاف الأذان قبل الفجر - فإنه لم يكن للصلاة، بل لمصالح أُخر، الواردة في الأحاديث - قدم الذي هو الأصل.

ومن ذلك الأصل: أنه قدم الرواتب البعدية على الرواتب القبلية سوى ركعتي الفجر، فإنه - رحمه الله - ترجم أولًا "باب التطوع بعد المكتوبة"، ثم ترجم "باب الركعتين قبل الظهر"، ونَبَّهَ على ذلك الحافظ إذ قال (٢): "باب التطوع بعد المكتوبة"، ترجم أولًا بما بعد المكتوبة، ثم ترجم بعد ذلك بما قبل المكتوبة، انتهى. كذا قال، ولم يذكر الحافظ له وجهًا.

والأوجه عندي أن الإمام البخاري نَبَّهَ بذلك على الاختلاف في ترتيب


(١) انظر: "فتح الباري" (٢/ ١٠١).
(٢) "فتح الباري" (٣/ ٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>