للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(٤ - باب قوله: {إلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا} [الفرقان: ٧٠])

قوله: (عن هاتين الآيتين: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} الآية [النساء: ٩٣]. . ." إلخ، هكذا أورده مختصرًا وسياق مسلم من هذا الوجه أتم، وأتم منهما ما تقدم في المبعث من رواية جرير بلفظ: هاتين الآيتين ما أمرهما التي في سورة الفرقان: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان: ٦٨] والتي في سورة النساء: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا} قال: سألت ابن عباس فقال: لما نزلت التي في سورة الفرقان قال مشركو مكة: قد قتلنا النفس ودعونا مع الله إلهًا آخر وأتينا الفواحش، قال: فنزلت {إلا مَنْ تَابَ} الآية، قال: فهذه لأولئك، قال: وأما التي في سورة النساء فهو الذي قد عَرَفَ الإسلام ثم قتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم لا توبة له، قال: فذكرت ذلك لمجاهد فقال: إلا من ندم.

وحاصل ما في هذه الروايات: أن ابن عباس كان تارة يجعل الآيتين في محل واحد فلذلك يجزم بنسخ إحداهما، وتارة يجعل محلهما مختلفًا، ويمكن الجمع بين كلاميه بأن عموم التي في الفرقان خصّ منها مباشرة المؤمن القتل متعمدًا، وكثير من السلف يطلقون النسخ على التخصيص، وهذا أولى من حمل كلامه على التناقض وأولى من دعوى أنه قال بالنسخ ثم رجع عنه، وقول ابن عباس بأن المؤمن إذا قتل مؤمنًا متعمدًا لا توبة له مشهور عنه، وقد جاء عنه في ذلك ما هو أصرح مما تقدم، ثم ذكر الحافظ رواية أحمد بطولها وفيه: أفرأيت إن تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا ثم اهتدى؟ قال: وأنى له التوبة والهدى، وجاء على وفق ما ذهب إليه ابن عباس في ذلك أحاديث كثيرة.

وقد حمل جمهور السلف وجميع أهل السُّنَّة ما ورد من ذلك على التغليظ، وصححوا توبة القاتل كغيره، وقالوا: معنى قوله: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: ٩٣] أي: إن شاء الله أن يجازيه، لقوله تعالى في سورة

<<  <  ج: ص:  >  >>