للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصداق الحجاب في هذه الأحاديث، فظاهر حديث الباب أن قصة سودة كانت قبل نزول الحجاب، وسيأتي في التفسير في "باب قوله تعالى: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ. . .} " إلخ [الأحزاب: ٥٣]، عن عائشة قالت: خرجت سودة بعد ما ضرب الحجاب.

والجمع بينهما عندي أن المراد في الحديث الذي فيه "بعد ما ضرب الحجاب" آية الحجاب المعروفة من قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} الآية، والمراد في الحديث الذي فيه "فأنزل الله الحجاب" غير الحجاب الأول، ولعل المراد به قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} الآية، والظاهر منها عدم جواز الخروج مطلقًا، ولما كان فيه حرج عظيم أذن لهم في الخروج لحوائجهن كما في حديث هشام عن أبيه.

وقريب منه ما كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع" (١) إذ قال: قوله: فأنزل الله الحجاب، أي: الحجاب الذي كان يهواه عمر - رضي الله عنه - لهن إذ الحجاب الشرعي قد كان نزل من قبل، والحاصل أن عمر كان يهوى أن لا يخرجن محتجبات أيضًا، ويتبرزن في البيوت، فصار ذلك مستحبًا بعد زمان، وإن بقي الجواز بعده أيضًا، انتهى.

وبسط الكلام في هامشه في نقول كلام الشرَّاح في مصداق الحجاب في الحديثين ومصداق الحجاب في الآيات، فارجع إليه لو شئت التفصيل.

[(١٤ - باب التبرز في البيوت)]

قال الحافظ ابن حجر والعيني (٢): عقَّب المصنف بهذه الترجمة ليشير إلى أن خروج النساء للبراز لم يستمر، بل اتخذت بعد ذلك الأخلية في البيوت فاستغنين عن الخروج إلا للضرورة، انتهى.


(١) "لامع الدراري" (٢/ ١٠٣ - ١٠٦).
(٢) "فتح الباري" (١/ ٢٥٠)، و"عمدة القاري" (٢/ ٢٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>