للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أي: يتوخى موافقته، وإن تقدم كثير منهم في المشي والركوب، كما حمل عليه الحديث القسطلاني (١) مجيبًا للحنفية، إذ استدلوا بالحديث على أن المشي خلفها أفضل.

وعلى هذا، فلا يرد على الإمام البخاري أيضًا أنه ذكر الأمر باتباعها في أولها، والفضل في اتباعها بعد أبواب كثيرة؛ لأن المراد بالاتباع في الثاني المشي خلفها، فذكره في محله، والمراد بالاتباع في أول الكتاب غير المشي، وهذا وإن كان مخالفًا لما اختاره الحنفية إلا أن البخاري ليس بمقلد لهم.

وهذا الأصل غير الأصل الثاني والأربعين والثالث والستين، فبين الثلاثة فرق واضح لا يلتبس عليك أحدها بالآخر.

[٦٨ - الثامن والستون: عدم الجزم للاحتمال]

أن الإمام البخاري - رحمه الله تعالى -، قد لا يجزم في الترجمة بالحكم؛ شحذًا للأذهان؛ لمجرد الاحتمال الناشئ من غير دليل، فكأنه يُنَبِّهُ الناظر على أن يجيل نظره، ويسبق فكره في الاحتمالات الناشئة من النصوص.

مثلًا: ترجم "باب إذا اشتدّ الحر يوم الجمعة"، ولم يذكر فيه حكمًا، وأورد فيه حديث أنس يقول: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتدّ البرد بكَّر بالصلاة، وإذا اشتدّ الحر أبرد بالصلاة، يعني الجمعة" (٢)، وقد أخرج قبل ذلك عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كنا نُبَكِّر بالجمعة، ونقيل بعد الجمعة" (٣)، قال الحافظ (٤): لم يجزم المصنف بحكم الترجمة للاحتمال الواقع في قوله: "يعني الجمعة" لاحتمال أن يكون من كلام التابعي، أو من دونه، وهو ظن


(١) انظر: "إرشاد الساري" (٣/ ٣٤٢).
(٢) "صحيح البخاري" (ح: ٩٠٦).
(٣) "صحيح البخاري" (ح: ٦٠٥).
(٤) "فتح الباري" (٢/ ٣٨٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>