للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

متفقين فيما بينهم، كما يدلّ عليه ظاهر سياق الترجمة الأولى، فنبَّه الإمام البخاري بعقد هذا الباب على أنهم مع ظهورهم على الحق وغلبتهم عليه لا يكونون متفقين فيما بينهم، فهو إشارة إلى اختلاف أهل الحق فيما بينهم؛ لأنه تعالى لم يستجب دعوته - صلى الله عليه وسلم - في عدم اختلاف الأمة ورفع تنازعهم.

وقال الحافظ (١): وجه مناسبته لما قبله أن ظهور بعض الأمة على عدوهم دون بعض يقتضي أن بينهم اختلافًا حتى انفردت طائفة منهم بالوصف؛ لأن غلبة الطائفة المذكورة إن كانت على الكفار ثبت المدعى، وإن كانت على طائفة من هذه الأمة أيضًا فهو أظهر في ثبوت الاختلاف، فذكر بعده أصل وقوع الاختلاف، وأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يريد أن لا يقع فأعلمه الله تعالى أنه قضى بوقوعه، وأن كل ما قدّره لا سبيل إلى رفعه، قال ابن بطال: أجاب الله تعالى دعاء نبيه في عدم استئصال أمته بالعذاب، ولم يجبه في أن لا يلبسهم شيعًا، أي: فرقًا مختلفين، انتهى من هامش "اللامع" (٢) بزيادة من "الفتح" (٣).

(١٢ - باب من شبّه أصلًا معلومًا بأصل مبين)

وبهذا الباب استدل من قال: إن الإمام البخاري قائل بالقياس والاجتهاد، وهو الأوجه عند هذا العبد الضعيف، ولهذا ردّ المشايخ قول من عزا إلى الإمام البخاري إنكار القياس والاجتهاد.

قال الحافظ (٤): قال ابن بطال (٥): التشبيه والتمثيل هو القياس عند العرب، وقد احتج المزني بهذين الحديثين اللذين ذكرهما البخاري في الباب على من أنكر القياس، قال: وأول من أنكر القياس إبراهيم النظام، وتبعه بعض المعتزلة، وممن ينسب إلى الفقه داود بن علي، وما اتفق عليه الجماعة هو الحجة، فقد قاس الصحابة فمن بعدهم من التابعين، وفقها الأمصار، انتهى.


(١) "فتح الباري" (١٣/ ٢٩٦)، و"شرح ابن بطال" (١٠/ ٣٦٠).
(٢) "لامع الدراري" (١٠/ ٢٨٩).
(٣) "فتح الباري" (١٢/ ٢٩٧).
(٤) "فتح الباري" (١٣/ ٢٩٧).
(٥) "شرح ابن بطال" (١٠/ ٣٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>