للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب لعمرو بن حزم كتابًا إلى أهل اليمن، فيه الفرائض والسنن والديات، وقال فيه: "وإن في النفس مائة من الإبل"، رواه النسائي في "سننه" ومالك في "موطئه"، قال ابن عبد البر: أجمع أهل العلم على وجوب الدية في الجملة، انتهى.

ثم لا يخفى عليك مطابقة هذه الأحاديث بكتاب الديات، فأما أن يوجد بما يستفاد من كلام العيني من أن في هذه الأحاديث زجرًا ووعيدًا شديدًا لمن يبتلى بهذا الأمر العظيم، أعني قتل النفس بغير حق، فلعل ولي القاتل يصالح أولياء المقتول على مال وهو الدية.

قلت: ويمكن أن يقال: إن المذكور في هذه الأحاديث هو المؤاخذة الأخروية لمن قتل نفسًا بغير حق، ولما لم يكن الحديث الدال على وجوب الدية صريحًا من شرط المصنف، وهو حديث عمرو بن حزم المشار إليه سابقًا، والدية من المؤاخذة الدنيوية أشار بإيراد أحاديث النوع الأول من المؤاخذة إلى أحاديث النوع الثاني منه، فتأمل، ففيه إيثار الأخفى على الأجلى كما هو من دأب المصنف، ويمكن أن يقال: إن المقصود من الدية والقصاص كما قالوا: هو التشفي، أي: تشفي أولياء القتيل بأخذ الدية أو بأخذ القصاص، وهذا التشفي يحصل أيضًا بهذه الأحاديث المذكورة ههنا، فإن فيهما زجرًا وتوبيخًا لمن يخوض في هذه الجريمة.

(١ - باب قول الله - عز وجل - {وَمَنْ أَحْيَاهَا} [المائدة: ٣٢])

قال ابن عباس: من حرم قتلها، قال الحافظ (١): وصله ابن أبي حاتم، ومضى بيانه في تفسير سورة المائدة، انتهى.

قلت: وتقدم هناك ما كتب الشيخ قُدِّس سرُّه في "اللامع" (٢): لما كان


(١) "فتح الباري" (١٢/ ١٩٢).
(٢) "لامع الدراري" (٩/ ٦٢، ٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>