للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: وقصة سؤال الخراساني أخرجها مسلم أيضًا في "صحيحه" ولعل الإمام البخاري أشار إلى الرد على هذه الروايات المروية عن ابن مسعود وابن عمر وأنس وغيرهم من أهل العراق.

[(باب من جعل عتق الأمة صداقها)]

قال الحافظ (١): كذا أورده غير جازم بالحكم، وقد أخذ بظاهره من القدماء سعيد بن المسيب والنخعي وطاوس والزهري، ومن فقهاء الأمصار الثوري وأبو يوسف وأحمد وإسحاق قالوا: إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها صحّ العقد والعتق والمهر على ظاهر الحديث، وأجاب الباقون عن ظاهر الحديث بأجوبة أقربها إلى لفظ الحديث: أنه أعتقها بشرط أن يتزوجها فوجبت له عليها قيمتها وكانت معلومة فتزوجها بها، ويؤيده قوله في رواية عبد العزيز بن صهيب: سمعت أنسًا - رضي الله عنه -، قال: "سبى النبي - صلى الله عليه وسلم - صفية فأعتقها وتزوجها، فقال ثابت لأنس - رضي الله عنه -: ما أصدقها؟ قال: نفسها فأعتقها"، هكذا أخرجه المصنف في المغازي، وفي رواية حماد عن ثابت وعبد العزيز عن أنس في حديث قال: و"صارت صفية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها، فقال عبد العزيز لثابت: يا أبا محمد أنت سألت أنسًا: ما أمهرها؟ قال: أمهرها نفسها فتبسم"، فهو ظاهر جدًا في أن المجعول مهرًا هو نفس العتق فالتأويل الأول لا بأس به، فإنه لا منافاة بينه وبين القواعد حتى لو كانت القيمة مجهولة فإن في صحة العقد بالشرط المذكور وجهًا عند الشافعية.

وقال آخرون: بل جعل نفس العتق المهر ولكنه من خصائصه، وممن جزم بذلك الماوردي، وقال آخرون: قوله: "أعتقها وتزوجها" معناه: أعتقها ثم تزوجها، فلما لم يعلم أنه ساق لها صداقًا قال: أصدقها نفسها، أي: لم يصدقها شيئًا فيما أعلم، ولم ينف أصل الصداق، ومن ثم قال أبو الطيب


(١) "فتح الباري" (٩/ ١٢٩، ١٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>