والأوجه عند هذا العبد الضعيف: أن غرض المصنف بهذه الترجمة الإشارة إلى مسألة خلافية شهيرة، وهي هل كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - حق الاجتهاد أم لا بدّ له من انتظار الوحي؟ ذكر الحافظ الإشارة إلى هذه المسألة في باب سيأتي بعد عدة أبواب من قوله:{لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} إذ قال: ويحتمل أن يكون مراده الإشارة إلى الخلافية المشهورة في أصول الفقه، وهي: هل كان له - صلى الله عليه وسلم - أن يجتهد في الأحكام أم لا؟ انتهى.
والأوجه عندي: أن الإمام البخاري أشار إلى هذه المسألة بهذا الباب لا بالباب الآتي، ثم ذكر في هامش "اللامع" تفصيل الأقوال في هذه المسألة، وفيه: قال ابن رسلان في شرح أبي داود تحت حديث: "لولا أن أشقّ على أمتي. . ." إلخ: قد اختلف الأصوليون في هذه المسألة على أربعة أقوال، ثالثها: كان له أن يجتهد في الحروب والآراء دون الأحكام، ورابعها: الوقف.
وقال النووي في حديث الغيلة: وفيه جواز اجتهاده - صلى الله عليه وسلم -، وبه قال جمهور أهل الأصول، وقيل: لا يجوز لتمكنه من الوحي، والصواب الأول.
وقال أيضًا: أما أمور الدنيا فاتفق العلماء على جواز اجتهاده - صلى الله عليه وسلم - فيها ووقوعه منه، وأما أمور الدين فقال أكثر العلماء بالجواز، وحكاه العيني عن الشافعي وأحمد وأبي يوسف، قال السرخسي في "المبسوط": وهو الصحيح عندنا؛ لأنه إذا جاز لغيره فله - صلى الله عليه وسلم - أولى، وقال جماعة: لا يجوز له لقدرته على اليقين، وحكاه الأبي عن الجبائي وابنه والإمامية، إلى آخر ما فيه، فارجع إليه لو شئت.
[(٩ - باب تعليم النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته من الرجال والنساء)]
قال المهلب: مراده أن العالم إذا كان يمكنه أن يحدِّث بالنصوص، لا يحدث بنظره ولا قياسه، انتهى.