للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم اختلفوا فقال قوم: الفضل راجع إلى عظم الأجر والثواب، وقال آخرون: بل لذات اللفظ، وأن ما تضمنته آية الكرسي وآخر سورة الحشر وسورة الإخلاص من الدلالة على وحدانيته تعالى وصفاته ليس موجودًا مثلًا في {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} فالتفضيل بالمعاني العجيبة وكثرتها لا من حيث الصفة، وقال الجويني: من قال: إن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أبلغ من {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} بجعل مقابلة بين ذكر الله وذكر أبي لهب وبين التوحيد والدعاء على الكافرين فذلك غير صحيح، بل ينبغي أن يقال: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} دعاء عليه بالخسران فهل توجد عبارة للدعاء بالخسران أحسن من هذه، وكذلك في {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} لا توجد عبارة تدل على الوحدانية أبلغ منها، فالعالم إذا نظر إلى {تَبَّتْ} في باب الدعاء بالخسران ونظر إلى {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} في باب التوحيد لا يمكنه أن يقول: أحدهما أبلغ من الآخر، وهذا التقييد يغفل عنه من لا علم عنده بعلم البيان، ولعل الخلاف في هذه المسألة يلتفت إلى الخلاف المشهور: أن كلام الله شيء واحد أم لا؟ وعند الأشعري أنه لا يتنوع في ذاته بل بحسب متعلقاته، وليس لكلام الله الذي هو صفة ذاته بعض لكن بالتأويل والتعبير وفهم السامعين اشتمل على أنواع المخاطبات، ولولا تنزله في هذه المواقع لما وصلنا إلى فهم شيء منه، انتهى.

[(١ - باب كيف نزل الوحي وأول ما نزل. . .) إلخ]

قال الحافظ (١): قد تقدم البحث في كيفية نزوله في حديث عائشة: "إن الحارث بن هشام سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - كيف يأتيك الوحي" في أول الصحيح، وكذا أول نزوله في حديثها: "أول ما بدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي الرؤيا الصادقة" لكن التعبير بأول ما نزل أخص من التعبير بأول ما بدئ؛ لأن النزول يقتضي وجود من ينزل به، وأول ذلك مجيء الملك له عيانًا


(١) "فتح الباري" (٩/ ٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>