للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(٦٣ - باب أخذ الصدقة من الأغنياء)]

اعلم أولًا أنهم اختلفوا في مسألة جواز نقل الزكاة من بلد المال إلى غيره، فأجاز النقل الليث وأبو حنيفة وأصحابهما، ونقله ابن المنذر عن الشافعي واختاره، والأصح عند الشافعية والمالكية والجمهور ترك النقل، فلو خالف ونقل أجزأ عند المالكية على الأصح، ولم يجز عند الشافعية على الأصح إلا إذا فقد المستحقون لها، ولا يبعد أنه اختيار البخاري؛ لأن قوله: "حيث كانوا" يشعر بأنه لا ينقلها عن بلد وفيه ممن هو متصف بصفة الاستحقاق، انتهى.

إذا عرفت هذا فاعلم أنهم اختلفوا في مراد المصنف بقوله: "حيث كانوا" وتقدم ما قال الحافظ آنفًا، وقال الكرماني (١): قوله: "حيث كانوا" الظاهر أن غرض البخاري بيان الامتناع، أي: ترد على فقراء أولئك الأغنياء في موضع وجد لهم الفقراء وإلا جاز النقل، ويحتمل أن يكون غرضه عكسه، انتهى.

وتعقبه العيني، إذ قال (٢): قوله: "حيث كانوا" يشعر بأنه اختار جواز النقل فإنه قال: ترد حيث كانوا، أي: الفقراء، وهو أعم من أن يكونوا في موضع كان فيه الأغنياء أوفي غيره، فالعجب من الكرماني حيث جعل الامتناع ظاهرًا وهو محتمل، وجعل الظاهر عكسًا، انتهى.

قلت: أصل الخلاف في أن الشرَّاح الشافعية مالوا إلى أن مرجع ضمير "حيث كانوا" الأغنياء، والشرَّاح الحنفية مالوا إلى أن المرجع الفقراء إلى آخر ما في هامش "اللامع".

قلت: ويمكن أن يكون غرض المؤلف الإشارة إلى خلافية أخرى شهيرة وهي إعطاء الزكاة لصنف واحد من الأصناف الثمانية كما هو مذهب الحنفية والحنابلة، وقال مالك: يتحرى موضع الحاجة منهم ويقدم الأولى


(١) "شرح الكرماني" (٨/ ٣٩).
(٢) "عمدة القاري" (٦/ ٥٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>