وذكر شيخ مشايخنا الشاه ولي الله الدهلوي في أول رسالته في التراجم أصولًا بالإجمال، وهذا نصُّه، فقال بعد الحمد والصلاة:
يقول الفقير إلى رحمة الله الكريم، أحمد المدعو بولي الله بن عبد الرحيم - كان الله لهما -:
أول ما صنَّف أهل الحديث في علم الحديث جعلوه مدوَّنًا في أربعة فنون:
فن السنة، أعني الذي يقال له: الفقه، مثل:"موطأ مالك"، و"جامع سفيان".
وفن التفسير، مثل:"كتاب ابن جريج".
وفن السير، مثل:"كتاب محمد بن إسحاق".
وفن الزهد والرقاق، مثل:"كتاب ابن المبارك".
فأراد البخاري أن يجمع الفنون الأربعة في كتاب، ويجرده لما حكم له العلماء بالصحة قبل البخاري وفي زمانه، ويُجرِّده للحديث المرفوع المُسْند، وما فيه من الآثار وغيرها إنما جاء به تبعًا لا أصالة، ولهذا سمَّى كتابه بـ "الجامع الصحيح المسند".
وإنما أراد أيضًا أن يفرغ جهده في الاستنباط من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويستنبط من كل حديث مسائل كثيرة جدًا، وهذا أمر لم يسبق إليه غيره، غير أنه استحسن أن يفرق الأحاديث في الأبواب، ويودع في تراجم الأبواب سر الاستنباط.
وجملة تراجم أبوابه تنقسم أقسامًا:
١ - منها: أنه يترجم بحديث مرفوع ليس على شروطه، ويذكر في الباب حديثًا شاهدًا له على شرطه.
٢ - ومنها: أنه يترجم بمسألة استنبطها من الحديث، بنحوٍ من الاستنباط من نصِّه، أو إشارته، أو عمومه، أو إيمائه.