للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلخ، وكذا قوله في الرواية التي في الباب بعده: "ولا يعطي في جزارتها"، ظاهرهما أن لا يعطي الجزار شيئًا البتة، وليس ذلك المراد، بل المراد أن لا يعطي الجزار منها شيئًا كما وقع عند مسلم، وظاهره مع ذلك غير مراد؛ بل بيَّن النسائي في روايته عن ابن جريج أن المراد منع عطية الجزار من الهدي عوضًا عن أجرته ولفظه: "ولا يعطى في جزارتها منها شيئًا"، ثم بسط الحافظ في ضبط لفظ الجزارة وشرحه إلى أن قال: قال ابن خزيمة: والنهي عن إعطاء الجزار المراد به أن لا يعطى منها عن أجرته، وأما إذا أعطي أجرته كاملة ثم تصدق عليه، إذا كان فقيرًا فلا بأس بذلك، وقال غيره: وأما إعطاؤه صدقة أو هديةً فالقياس الجواز، لكن إطلاق الشارع ذلك قد يفهم منه منع الصدقة لئلا تقع مسامحة في الأجرة، قال القرطبي (١): ولم يرخص في إعطاء الجزار منها في أجرته إلا الحسن البصري، وعبد الله بن عبيد بن عمير، انتهى.

قلت: إن كان مراد المصنف في الترجمة المنع مطلقًا؛ فذلك بناء على أن لا يتسامح في الأجرة، وإن كان مراده المنع من العطية في الجزارة خاصةً؛ فالغرض حينئذ إما الرد على مذهب الحسن البصري، أو شرح الحديث بأن قوله: "لا أعطي عليها شيئًا" معناه من الهدي، كما تقدم في كلام الشيخ، والله أعلم.

(١٢١ - باب يُتصدق بجلود الهدي)

قال الحافظ (٢): واستدل بحديث الباب على منع بيع الجلد، قال القرطبي: فيه دليل على أن جلود الهدي وجلالها لا تباع لعطفها على اللحم، وقد اتفقوا على أن لحمها لا يباع وكذلك الجلود والجلال، وأجازه الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو وجه عند الشافعية، قالوا: ويصرف ثمنه مصرف الأضحية، واستدل أبو ثور على أنهم اتفقوا على جواز الانتفاع


(١) "المفهم" (٣/ ٤١٦).
(٢) "فتح الباري" (٣/ ٥٥٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>