للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالعتاب إذا كان في خاصة نفسه كالصبر على جهل الجهال وجفاء الأعراب، ألا يُرى أنه ترك الذي جبذ البردة عن عنقه حتى أثرت جبذته فيه، وأما إذا انتهكت من الدين حرمة فإنه لا يترك العتاب عليها والتقريع فيها، ويصدع بالحق فيما يجب على منتهكها ويقتصّ منه، انتهى.

قلت: وإليه أشار الإمام البخاري من الترجمة التي تأتي بعد بابين، وما حكى الحافظ عن ابن بطال في شرح الترجمة يؤيده ما أخرجه الإمام أبو داود في "سننه" (١) في "باب حسن العشرة" من "كتاب الأدب" عن عائشة قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا بلغه عن الرجل الشيء لم يقل: ما بال فلان يقول، ولكن يقول: ما بال أقوام يقولون كذا وكذا"، وأخرج من حديث أنس: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قلما يواجه رجلًا في وجهه بشيء يكرهه" الحديث.

[(٧٣ - باب من أكفر أخاه بغير تأويل فهو كما قال)]

كذا قيد مطلق الخبر بما إذا صدر ذلك بغير تأويل من قائله، واستدل لذلك في الباب الذي يليه، انتهى من "الفتح" (٢).

وقال العيني (٣): قوله: "بغير تأويل" يعني: في تكفيره، قيّد به لأنه إذا تأوّل في تكفيره يكون معذورًا غير آثم، ولذلك عذر النبي - صلى الله عليه وسلم - عمر - رضي الله عنه - في نسبة النفاق إلى حاطب بن أبي بلتعة لتأويله، وذلك أن عمر بن الخطاب ظنّ أنه صار منافقًا بسبب ذلك، انتهى.

وقال القسطلاني (٤) في شرح الحديث: كذا حمله البخاري على تحقق الكفر على أحدهما بمقتضى الترجمة، ولذا ترجم عليه مقيّدًا بغير تأويل، وحمله بعضهم على الزجر والتغليظ، فيكون ظاهره غير مراد، انتهى.


(١) "سنن أبي داود" (رقم ٤٧٨٨، ٤٧٨٩).
(٢) "فتح الباري" (١٠/ ٥١٤).
(٣) "عمدة القاري" (١٥/ ٢٤٥).
(٤) "إرشاد الساري" (١٣/ ١٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>