للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الواجب إنفاق كلها، ومن ادّخر شيئًا منها فهو داخل تحت الوعيد، بخلاف سائر الصحابة، فإن مذهبهم أنه بعد إنفاق القدر الواجب، أعني: ربع العشر في النقدين لو ادخر الباقي فليس بكنز، وهذا هو الحق الذي انعقد عليه الإجماع، وأما ما ذهب إليه أبو ذر - رضي الله عنه - فشبهة نشأت من حمل قوله تعالى على إنفاق الكل.

قوله: (ليس فيما دون خمسة أواق) هذا يدل على أن من المال ما لا يجب فيه الزكاة، ومناسبته مع الترجمة ظاهر، انتهى.

وقال الحافظ: قوله: "قبل أن تنزل الزكاة" هذا مشعر بأن الوعيد على الاكتناز - وهو حبس ما فضل عن الحاجة عن المواساة به - كان في أول الإسلام ثم نسخ ذلك بفرض الزكاة لما فتح الله الفتوح وقدرت نصب الزكاة، فعلى هذا المراد بنزول الزكاة بيان نصبها ومقاديرها لا إنزال أصلها، والله أعلم، انتهى من "الفتح" (١).

(٥ - باب إنفاق المال في حقّه)

قال الحافظ في الباب السابق تحت حديث أبي ذر (٢): وإنما أورده أبو ذر للأحنف لتقوية ما ذهب إليه من ذم اكتناز المال، وهو ظاهر في ذلك إلا أنه ليس على الوجوب، ومن ثم عقبه المصنف بالترجمة التي تليه، وأورد فيه الحديث الدال على الترغيب في ذلك، وهو من أدل دليل على أن أحاديث الوعيد محمولة على من لا يؤدي الزكاة، وأما حديث "ما أحب لو أن لي أُحدًا ذهبًا" فمحمول على الأولوية؛ لأن جمع المال وإن كان مباحًا لكن الجامع مسؤول عنه وفي المحاسبة خطر. . . إلى آخر ما قال.

والأوجه عندي: أن الغرض من الترجمة الإشارة إلى أن ما ورد من الروايات في ترغيب الإنفاق مطلقًا؛ فالمراد منه الإنفاق في حقه كما في


(١) "فتح الباري" (٣/ ٢٧٣).
(٢) "فتح الباري" (٣/ ٢٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>