للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما أراد الفرار من الطاعون بالشام: أتفرّ من القضاء؟ قال: أفرّ من قضاء الله إلى قدر الله تنبيهًا على أن القدر ما لم يكن قضاء فمرجو أن يدفع الله، فإذا قضي فلا مدفع له، ويشهد لذلك قوله تعالى: {وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا} [مريم: ٢١] و {كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: ٧١] تنبيهًا على أنه صار بحيث لا يمكن تلافيه، انتهى.

قال الحافظ (١): وقال الكرماني: المراد بالقدر حكم الله، وقال العلماء: القضاء هو الحكم الكلي الإجمالي في الأزل، والقدر جزئيات ذلك الحكم وتفاصيله، انتهى. وهذا عكس ما تقدم عن القسطلاني.

وفي "فيض الباري" (٢): اعلم أن القدر حصل من مجموع الإرادة والقدرة، والإرادة عند المتكلمين عبارة عن تخصيص بعض المقدورات ببعض الأوقات، وأنكرها الفلاسفة، وما ذكره الصدر في "الأسفار" وابن رُشد في "التهافت": أن الفلاسفة أيضًا قائلون بصفة الإرادة، فإنه تمويه بلا مرية، وخداع بلا فرية، إلى آخر ما ذكر، ثم إن العبد عند أهل السُّنَّة مختار، وإن كان مجبورًا في وصف الاختيار، فإنه مودعٌ فيه كالماء في القمقمة، انتهى.

(١ - باب جفّ القلم على علم الله. . .) إلخ

أي: فرغت الكتابة إشارة إلى أن الذي كتب في اللوح المحفوظ لا يتغير حكمه، فهو كناية عن الفراغ من الكتابة؛ لأن الصحيفة حال كتابتها تكون رطبة أو بعضها، وكذلك القلم فإذا انتهت الكتابة جفت الكتابة والقلم.

قال الطيبي: هو من إطلاق اللازم على الملزوم؛ لأن الفراغ من الكتابة يستلزم جفاف القلم عن مداده، قلت: وفيه إشارة إلى أن كتابة ذلك انقضت


(١) "فتح الباري" (١١/ ٤٧٧).
(٢) "فيض الباري" (٦/ ٢٩٥، ٢٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>