للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القرطبي: وما جاء من النهي عنه محمول على الشبع الذي يثقل المعدة، ويُثَبِّطُ صاحبَه عن القيام للعبادة، ويُفْضي إلى البطر والأشر والنوم والكسل، وقد تنتهي كراهته إلى التحريم بحسب ما يترتب عليه من المفسدة، وذكر الكرماني تبعًا لابن المنيِّر: أن الشبع المذكور محمول على شبعهم المعتاد منهم، وهو أن الثلث للطعام والثلث للشراب والثلث للنفس، ويحتاج في دعوى أن تلك عادتهم إلى نقل خاص، وإنما ورد في ذلك حديث حسن أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجه (١). . . إلى آخر ما ذكر الحافظ.

(٦ - باب {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ} [النور: ٦١]

الظاهر عندي: أن غرض الإمام البخاري بهذه الترجمة الإشارة إلى اختلاف أقوال العلماء في سبب نزول الآية كما بسطه المفسرون، والإشارة إلى ترجيح قول عطاء بن يزيد الليثي كما يدل عليه ما قاله الشرَّاح في مناسبة الحديث بالآية.

قال الحافظ (٢): وحكى ابن بطال عن المهلب قال: مناسبة الآية لحديث سويد ما ذكره أهل التفسير أنهم كانوا إذا اجتمعوا للأكل عزل الأعمى على حدة والأعرج على حدة والمريض على حدة لتقصيرهم عن أكل الأصحاء، فكانوا يتحرجون أن يتفضلوا عليهم، وهذا عن ابن الكلبي، وقال عطاء بن يزيد: كان الأعمى يتحرج أن يأكل طعام غيره لجعله يده في غير موضعها، والأعرج كذلك لاتساعه في موضع الأكل، والمريض لرائحته، فنزلت هذه الآية فأباح لهم الأكل مع غيرهم، وفي حديث سويد معنى الآية؛ لأنهم جعلوا أيديهم فيما حضر من الزاد سواء، مع أنه لا يمكن أن يكون أكلهم بالسواء لاختلاف أحوال الناس في ذلك، وقد سوغ لهم الشارع


(١) "سنن النسائي" (رقم ٦٧٦٨)، "سنن الترمذي" (رقم ٢٣٨٠)، "سنن ابن ماجه" (رقم ٣٣٤٩).
(٢) "فتح الباري" (٩/ ٥٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>