للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(١٩ - باب الدعاء بعد الصلاة)]

قال الحافظ (١): أي: المكتوبة، وفي هذه الترجمة ردّ على من زعم أن الدعاء بعد الصلاة لا يشرع متمسكًا بالحديث الذي أخرجه مسلم عن عائشة: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا سلَّم لا يثبت إلا قدر ما يقول: اللَّهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام"، والجواب أن المراد بالنفي المذكور نفي استمراره جالسًا على هيئته قبل السلام إلا بقدر أن يقول ما ذكر، فقد ثبت "أنه كان إذا صلى أقبل على أصحابه"، فيحمل ما ورد من الدعاء بعد الصلاة على أنه كان يقوله بعد أن يقبل بوجهه على أصحابه.

قال ابن القيم في "الهدي النبوي": وأما الدعاء بعد السلام من الصلاة مستقبل القبلة سواء الإمام والمنفرد والمأموم، فلم يكن ذلك من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - أصلًا، ولا روي عنه بإسناد صحيح ولا حسن، وخص بعضهم ذلك بصلاتي الفجر والعصر، ولم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا الخلفاء بعده، ولا أرشد إليه أمته، وإنما هو استحسان رآه من رآه عوضًا من السُّنَّة بعدهما، قال: وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها فيها وأمر بها فيها، وهذا اللائق بحال المصلي فإنه مقبل على ربه مناجيه، فإذا سلّم منها انقطعت المناجاة، وانتهى موقفه وقربه، فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه، ثم يسأل إذا انصرف عنه، ثم قال: لكن الأذكار الواردة بعد المكتوبة يستحب لمن أتى بها أن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد أن يفرغ منها ويدعو بما شاء، ويكون دعاؤه عقب هذه العبادة الثانية، وهي الذكر لا لكونه دبر المكتوبة.

ثم قال الحافظ: قلت: وما ادعاه من النفي مطلقًا مردود، فقد ثبت عن معاذ بن جبل: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: يا معاذ إني والله لأحبك فلا تدع دبر كل صلاة أن تقول: اللَّهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"


(١) "فتح الباري" (١١/ ١٣٣، ١٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>