للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الحافظ (١): وحديث الباب الذي يليه عن المغيرة أصرح في المقصود من حديث الباب، لكن عادة المؤلف أن يترجم بالأخفى، أو الاحتمال أن يكون المراد في حديث المغيرة النهي عن المسائل المشكلة كالأغلوطات، أي: السؤال عما لا يعني، أو عما لم يقع مما يكره وقوعه، وأشار مع ذلك إلى حديث أخرجه الترمذي (٢)، لكن ليس على شرطه، وفيه: "ومن سأل الناس ليثري به ماله كان خموشًا في وجهه يوم القيامة" الحديث، قاله ابن رُشيد، وأولى منه أنه أشار إلى ما في "مسلم" (٣) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - وهو مطابق للفظ الترجمة، ولفظه: "من سأل الناس تكثرًا فإنما يسأل جمرًا"، انتهى.

قلت: والظاهر عندي أنه أشار إلى محمل الحديث؛ فالغرض أن الاستعفاف عن المسألة وإن كان محتاجًا أفضل كما تقدم وهو مؤدى الباب السابق، والوعيد لمن سأل تكثرًا وهو مؤدى هذا الباب، وههنا مرتبة ثالثة وهو السؤال لأجل الحاجة فلا فضل فيه ولا وعيد.

(٥٣ - باب قول الله تعالى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: ٢٧٣])

أورد (٤) الآية الثانية تفسيرًا لقوله في الترجمة: "وكم الغنى" كأنه يقول: وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ولا يجد غنى يغنيه" مبين لقدر الغنى؛ لأن الله تعالى جعل الصدقة للفقراء الموصوفين بهذه الصفة، أي: من كان كذلك فليس بغني ومن كان بخلافها فهو غني. وأما قوله: "وكم الغنى" فلم يذكر فيه حديثًا صريحًا فيحتمل أنه أشار إلى أنه لم يرد فيه شيء فيحتمل أن يستفاد من قوله في الحديث: "الذي لا يجد غنى يغنيه"، فإن معناه: لا يجد شيئًا يقع موقعًا من حاجته، فمن وجد ذلك كان غنيًا. وقد ورد فيه ما أخرجه


(١) "فتح الباري" (٣/ ٣٣٩).
(٢) "سنن الترمذي" (ح: ٦٥٣).
(٣) "صحيح مسلم" (ح: ١٠٤١).
(٤) "فتح الباري" (٣/ ٣٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>