الرؤيا الثانية: وذكر رواية أخرى قريبة منها قال: «بينما أنا نائم في العشر الأول من شهر رمضان، رأيت المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا علي! انصر المذاهب المروية عَنِّي؛ فإنها الحق، فلما استيقظت دخل علي أمر عظيم، ولم أزل مفكراً مهموماً لِرُؤْيَايَ، ولما أنا عليه من إيضاح الأدلة في خلاف ذلك، حتى كان العشر الأوسط، فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام فقال لي: ما فعلت فيما أمرتك به؟» فقلت: يا رسول الله! وما عسى أن أفعل، وقد خرَّجت للمذاهب المروية عنك وجوهاً يحتملها الكلام، واتبعت الأدلة الصحيحة التي يجوز إطلاقها على الباري ـ عز وجل ـ؟ فقال لي: انصر المذاهب المروية عني؛ فإنها الحق، فاستيقظت وأنا شديد الأسف والحزن، فأجمعت على ترك الكلام، واتبعت الحديث وتلاوة القرآن، فلما كانت ليلة سبع وعشرين ـ وفي عادتنا بالبصرة أن يجتمع القراء وأهل العلم والفضل، فيختمون القرآن في تلك الليلة ـ مكثت فيهم على ما جرت عادتنا، فأخذني من النعاس مالم أتمالك معه أن قمت. فلما وصلت إلى البيت نمت وبي من الأسف على ما فاتني من ختم تلك الليلة أمر عظيم، فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال لي: ما صنعت فيما أمرتك؟ فقلت: قد تركت الكلام ولزمت كتاب الله وسنتك، فقال لي: «أنا ما أمرتك (١) بترك الكلام، وإنما أمرتك بنصرة المذاهب المروية عني، فإنها الحق. فقلت: يا
(١) في الأصل: أنا أمرتك. وهذا فيه اضطراب ومفسد للسياق والصحيح ما أثبته. انظر التبين ص ٤١.