للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ ـ ولا يعقل كذلك أن يكون ألفها وهو على مذهب المعتزلة وقبل رؤية الرسول -صلى الله عليه وسلم- التي يذكر الأشعري أنها كانت السبب في التحوُّلِ، وإلا كان الرجل غير صادق العقيدة، إذ يؤمن بمذهب ويؤلف على مذهب آخر، وليس الأمر بمثل هذه البساطة.

٣ ـ ثم إننا لا نصدق أن الأشعري يتعرى من ثوبه، وهو على المنبر ويوم الجمعة كدليل على تركه أقوال المعتزلة فهو تشبيه يتسم بالبساطة والسَّذَاجَةِ، وليست هناك غاية وراء غيابه هذه الفترة اليسيرة، إلا إذا كان ابن عساكر، يعتبرها فترة تحول بين مذهبين مختلفين.

٤ ـ ثم إن كتاب اللمع من المعتقد أنه من مؤلفات الأشعري في فترة النضج وليس من مؤلفات فترة التحول (١). والدكتور جلال موسى شكك في هذه الرواية أيضاً فهو لا يتصور أن يؤلف الأشعري كتابين خلال خمسة عشر يوماً، ولم يذكر دليلاً واحداً على صدق دعواه سوى ترديده عبارة: لا يعقل كذا ولا يعقل كذا .. وسيعارض بقول قائل: بل يعقل كذا ويعقل كذا، وسيحتار القراء إلى أي العقلين يحتكمون؟! كما أن هذا مردود عليه، لأن العالم إذا تفرغ للتأليف والتصنيف قد يُصنف أكثر من ذلك، فمثلاً، شيخ الإسلام ابن تيمية (٢) ـ رحمه الله ـ أصل لقضية القضاء


(١) انظر نشأة الأشاعرة ص ١٧٤ - ١٧٥.
(٢) هو الإمام ا لعلامة، شيخ الإسلام، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبدالسلام بن تيمية الحراني، ولد ـ رحمه الله ـ، في سنة ستمائة وإحدى وستين، تتلمذ - رحمه الله - على يد بعض أهل بيته في بداية حياته، ثم على يد عدد من العلماء كشرف الدين المقدسي، وتقي الدين الواسطي، عرف - رحمه الله - بعلمه الغزير وقلمه السيال وأمره بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاده حتى إنه قاد الجهاد أمام التتار، كما عرف بالعفو والصفح عن مخالفيه، مجموع الفتاوى ٢/ ٤٦٤، تجد الشواهد على ذلك، وانبرى - رحمه الله - بالرد على الرافضة، وكتابه منهاج السنة خير شاهد على ذلك، أُوذي - رحمه الله - وامتحن، بسبب عقيدته، وصدعه بالحق، وسجن كثيراً. مرة بسبب الحموية ومرة بسبب الواسطية وأخرى بسبب شد الرحال إلى القبر الشريف. وهكذا وأسباب أخرى. ألف - رحمه الله - العديد من المؤلفات من أهمها: درء تعارض العقل والنقل، ومنهاج السنة، والعقيدة الطحاوية والعقيدة الحموية، والتسعينية والنبوات، والإيمان، والأصفهانية، والعشرات وغيرها، توفي - رحمه الله - في سجن القلعة، سنة ثمان وعشرين وسبعمائة مظلوماً، وكانت جنازته مشهودة. انظر في ترجمته البداية والنهاية ١٨/ ٢٩٥. والجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية خلال سبعة قرون وهو مجلد ضخم قرابة سبعمائة صفحة، كما ترجم له الشيخ عبد الرحمن المحمود ترجمة وافية بقرابة خمسة وعشرين صفحة. انظر موقف ابن تيمية من الأشاعرة ١/ ١٥١.

<<  <   >  >>