للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسيطرة الأتراك استمرت حتى زعزعت دولة بني العباس.

رابعاً: وكانت تلك الأمور السياسية هي أبرز الأحداث، ويضاف إلى ما سبق أن هذه الفترة كانت فترة انشغال خلفاء بني العباس عمَّا أوجب الله عليهم، حيث انشغلوا في الدنيا، وتعامل بعضهم مع الرعية تعاملاً فيه الكثير من القسوة. ومن أولئك المقتدر: قال عنه الذهبي: كان جيد العقل، صحيح الرأي، ولكنه كان مؤثراً للشهوات، نقل ذلك عن أبي علي التنوخي (١) قال: وكان منهوماً باللعب، والجواري لا يلتفت إلى أعباء الأمور فدخل عليه الداخل، وكان سمحاً، متلفاً للأموال حيث محقَ مالاً لا يعد ولا يحصى (٢).

٥ - انشغل بعض خلفاء هذه الحقبة بالمجون والفسق وإشباع الشهوات، واللهو عن كثير من أمور الخلافة.

٦ ـ كما أن من الأمور الملاحظة في هذا العصر رجوع بعض الخلفاء إلى أقوال الناس وسيطرة المرأة، وغلبت آرائهن على الرجال فمثلاً، الخليفة المقتدر جعل الأمر والنهي بيد أمه (٣) حتى أطلق عليها المؤرخون اسم


(١) هو: القاضي العلامة أبو علي المحسن بن علي بن محمد بن أبي الفهم التنوخي البصري الأديب. ولد بالبصرة سنة ٣٢٧ هـ وكان إخبارياً متفنناً، من مؤلفاته الفرج بعد الشدة، والنشور، عاش سبعاً وخمسين سنة وكانت وفاته في المحرم سنة ٣٨٤ هـ وكان قد تولى القضاءراماهرمز وعسكر مكرم انظر سير أعلام النبلاء ١٦/ ٥٢٤.
(٢) انظر سير أعلام النبلاء ١٥/ ٤٣، ٤٥ باختصار.
(٣) هي: شغب، أم أمير المؤمنين المقتدر ـ بالله الملقبة بالسيدة، كانت في غاية الحشمة والرئاسة أَيام خلافة وَلدها، وكانت امرأة صالحة، وكان دخلها في السنة ألف ألف دينار أي مليون وكانت تتصدق بأكثر ذلك على الحجاج، حيث كانت تأمر بأن تسهل الطُّرْقُ، وأَن يُوفَّر للحجَّاج أَطباء، وقد عذبها القاهر، قال ابن كثير: ولما استقرَّّ أمرُ القاهر في الخلافة ـ وهو ابنُ زوجها المعتضد، وقد كانت حَضَنَتْه حين توفيت أُمُّه وخلصته من ابنها لما كان مؤنس قد بايعه به ولم يتمَّ ذلك، عاقبها القاهر عقوبةً عظيمةً جداً، حتى كان يعلقها برجلها، ورأسُها منكوسُ، فربما بالت فينحدر على وجهها، ليقررها على الأموال التي في يدها، فلم يجد لديها شيئاً سوى ثيابها، ومصاغها وحليتِّها في صناديق لها، وقيمتها مائةُ وثلاثون ألف دينار، لأن جميع ما كان يدخلها تتصدَّق به، ووقفتْ شيئاً كثيراً، ولكن كان لها أملاكٌ أمر ببيعها، وأتى بالشهود ليشهدوا عليها بالتوكيل في بيعها، فامتنع الشهود من أداء الشهادة حتى يُحِلُّو ها، فرُفع السترُ بإذن الخليفة فقالوا لها: أنت شغبٌ جارية المعتضد أم جعفر المقتدر فبكت بكاءً طويلاً ثم قالت: نعم، وبكى الشهود وتفكروا في تقلب الزمان، وتَنَقُّلِ الحَدَثان، وكانت وفاتها في جمادَى الأولى من هذه السنة ودُفنت بالرُّصافة ـ رحمها الله ـ سنه إحدى وعشرين وثلاثمائة. انظر البداية والنهاية ١٥/ ٧٤ ـ ٧٥، وانظر النجوم الزاهرة، ٣/ ٢٧٢، والمنتظم ١٣/ ٣٢٢.

<<  <   >  >>