الإبانة، كما أعلنه بعد رجوعه عن الاعتزال، وذلك يعود إلى أن تلك الكتب في مرحلة الاعتزال كلها ضلال، أما بعد رجوعه فإن في غالبها الكثير من الحق؛ لأنه لم يصل إلى الحق جملة واحدة، فلو أعلن رجوعه لأعلن رجوعه عن الحق. فلعله اكتفى بأنه إذا أورد مسألة في كتبه الجديدة تخالف السابقة فإن هذا بمثابة الرجوع ولو لم يعلنه، بل اعتقد بأن إعلانه في الإبانة اتباعه للإمام أحمد تأكيداً على رجوعه التام ولله الحمد.
سادساً: أن الأشعري في الإبانة رفض التأويل مطلقاً، وقدم النقل على العقل، وهاجم تفسير الاستواء بالاستيلاء، وأورد الآيات القرآنية الدالة على الاستواء. كما أثبت صفات الله عز وجل كالوجه والعين واليدين على قول أهل السنة، فلا يعقل أن يرجع إلى عقيدة التأويل مرة أخرى، خاصة وأنه أثبت أن التأويل منهج للفرق الضالة. وإلا لاعتبر متذبذباً غير مستقر، فمرة معتزلي ثم متأولاً ثم سلفياً على منهج أهل الحديث ثم مؤولاً. ثم لو كانت عقيدته استقرت على التأويل لذكره ابن عساكر وغيره من المؤرخين (١). إن هذه الأدلة كافية لإثبات أن الأشعري قد ألف الإبانة متأخراً. وبأن منهجه الذي استقرَّ عليه والطور الذي لقي بعده ربه هي عقيدته السلفية التي أثبتها في الإبانة، وهذا هو القول الراجح بالنسبة لما ألف أخيراً. وأصحاب هذا القول أنه مر بالتوسط،