خلاله أن هذه الطريقة تغني الناس عن تلك الطريقة الطويلة، الكثيرة المقدمات، الغامضة التي يقع فيها نزاع، فبحث الأشعري مع المعتزلة في هذه الطريقة من جنس بحوثه معهم في غير ذلك من أصولهم، فإنه يُبَيِّنُ تناقضهم، ويلزمهم فيما نفوه نظير ما يلزمونه لأهل الإثبات فيما أثبتوه، فيستفاد من مناظرته لهم معرفة فساد كثيرٍ من أصولهم، ولكن سلم لهم أصولاً وافقهم عليها، فقال جمهور طوائف العقلاء من أهل السنة والحديث وغيرهم، ومن المعتزلة: إن هذه مناقضة مخالفة لصريح المعقول. ولهذا من قال: بقيت عليه بقية من الاعتزال، وقالوا: إنه وافقهم على بعض أصولهم. وليس مراده بالأصول ما أظهروه من مخالفة السنة، فإن الأشعري مخالف لهم فيما أظهروه من مخالفة السنة، كمسألة الرؤيا، والقرآن (١)، والصفات. ولكن أصولهم الكلامية العقلية التي بنوا عليها الفروع المخالفة للسنة كالأصل الذي بنوا عليه حدوث العالم وإثبات الصانع، فإن هذا أصل أصولهم، ذكره الأشعري، لكنه مخالف لهم في كثير من لوازم ذلك وفروعه، وجاء كثير من أتباعه المتأخرين فوافقوا المعتزلة على موجبها، وخالفوا شيخهم أبا الحسن وأئمة أصحابه، فنفوا الصفات الخبرية، ونفوا العلو، وفسّروا الرؤية بمزيد علم لا ينازعهم فيه المعتزلة، وقالوا: ليس بيننا وبين المعتزلة خلاف في المعنى، وإنما خلافهم مع
(١) وهذا دليل على أنه يرى بأن الأشعري في القرآن مخالف للمعتزلة.