للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثالث

الناحية العلمية

لقد شهد العصر الذي عاشه الأشعري ازدهاراً من الناحية العلمية وتميز بوجود عدد من العلماء، سواء من أئمة الحديث أو الفقه، كذلك بعض الأئمة في العقيدة، كما وُجدَ بعض الأعلام لبعض الفرق والطوائف، والعصر الذي عاشه الأشعري على الرغم مما فيه من اضطرابات وفتن وقلاقل، إلا أنه يعد من أزهى العصور العلمية والفكرية التي شهدتها الأمة، وخاصة في بغداد. كما شهد هذا العصر فتنة الحلاج (١). وفي هذا العصر دونت بعض كتب السنة من قبل الأئمة،


(١) هو: الحسين بن منصور بن محيي، الفارسي، الحلاج، ويقال له أبو مغيث، الفارسي البيضاوي الصوفي، والبيضاء مدينة ببلاد فارس، نشأ الحسين، بتستر وصحب .. ابن عبد الله التستري والجنيد، وأبا الحسين النوري، ثم تصوف الحلاج، وتعبد، فبالغ في المجاهدة والترهب ثم فتن، فدخله من الكبر، والرئاسة، فسافر إلى الهند وتعلم السحر، فحصل به حالة شيطانية. ولعل غلوه هو الذي أوصله لمثل هذه الحالة، وذكر ابن كثير شيئاً من حالته فقال: وكان يصابر نفسه ويجاهدها، فلا يجلس إلا تحت السماء في وسط المسجد في البرد والحر، ولا يأكل إلا بعض قرص، ويشرب قليلاً من الماء معه، وذلك وقت الفطور، مدة سنة كاملة ويجلس على صخرة في قبالة الحرم في جبل أبي قبيس. وقال الذهبي: «قال ابن الوليد: كان المشايخ يستثقلون كلامه، وينالون منه لأنه كان يأخذ نفسه بأشياء تخالف الشريعة وطريقة الزهاد، وكان يدعي المحبة لله، ويظهر منه ما يخالف دعواه.
قلت: لاريب أن اتباع الرسول -صلى الله عليه وسلم- علم لمحبة الله لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الآية ٣١/ آل عمران]. وقال ابن العماد بدت منه كفريات أباحت دمه واشتبه على الناس السحر بالكرامات، فضل به خلق كثير، كدأب من سيبقي ومن يكون إلى مقتل الدجال الأكبر، والمعصوم من عصمه الله،. آه. وذكر ابن كثير أنه كان حلولياً، يرى بأن الله قد حل فيه «جل الله عما يقول هذا المارق علواً كبيراً به» ومن شعره
جبلت وحلت في روحي كما … يجبل العنبر بالمسك الفتق
فإذا مسك شيء مسني … فإذا أنت أنا لا نفترق
وقوله أيضاً:
مزجت روحك في روحي كما تمزج الخمرة بالماء الزلال
فإذا مسك شيء مسني فإذا أنت أنا في كل حال
ولهذا المارق الكثير من الخرافات وادعاء الألوهية، حتى إن الذهبي كتب في سيرته، أربعين صفحة، وابن كثير أربعاً وعشرين صفحة، وذكر ابن كثير بأن الفقهاء، وفي بعض نسخ العلماء، أجمعوا على كفره وقتله، وقد قتل هذا المارق سنة ٣٠٩ شر قتلة حيث ضرب قبل قتله ألف سوط، ثم قطعت يداه ورجلاه، ثم ضرب عنقه، وأحرقت جثته، بعد أن نزعت منها يداه ورجلاه، وعلقتا بجوار رأسه، وقد افتتن بعد مقتله خلق، ولست بصدد ذكر فتنته، وإنما إيراد شيء من ترجمته. انظر البداية والنهاية ١٤/ ٨١٨ - ٨٤٢، وسير أعلام النبلاء، ١٤/ ٣١٣ - ٣٥٤، وشذرات الذهب ٤/ ٤١ - ٤٧.

<<  <   >  >>