العلمي المتجرد من العاطفة، ناهيك عن أن غالب هذه المرويات قد ذكرت في كتب التراجم، وغالبها من غير أسانيد، لذا فإن اعتمادها وجعلها حقيقة واقعة يرفضه الشرع والعقل، وعلينا أيضاً ألا ندعها بكلية ونسقط قيمتها، بل علينا أن نأخذ ما تؤيده الشواهد وحفّت به القرائن، فينبغي أن نميز ما فيها من زيادات وإضافات موضوعة فلا نرفضها جملة واحدة ولا نقبلها جملة واحدة دون بيان؛ لأن هناك من قبلها بالكلية ورفض مجرد الحوار حول مصداقيتها، فجعلها حقيقةً ثابتة هي عنده بحكم النص المُنَزَّل، فالطعن فيها عنده كالطعن بالشرع.
هـ ـ هناك عبارة وردت في إحدى هذه الرؤى، وهي الرؤيا الثالثة، وفيها قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «وإنما أمرتك بنصرة المذاهب المروية عني، فإنها الحق» وهنا ثمة سؤال يُطْرَح: هل روي عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- مذاهب كما في هذه الرواية، أم منهج واحد كما هو معروف؟ وهو منهج الحق، قال تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ}(١) فالحق واحد والباطل سُبُله كثيرة، وهذه الإشكالية تؤكد عدم صحة هذه الرؤى، أو على الأقل عدم إيرادها بألفاظها الصحيحة، وإن كنت أَمِيْلُ بأن لهذه الرؤى المنامية أصلاً صحيحاً، بل قد تكون ساعدت وأسهمت في تحوّل الإمام الأشعري إلى منهج الحقّ لكن مع التأكيد بعدم قبول جميع هذه