ولما أتم ما حثهم على التأسي فيه بذكر أعظم آبائهم لأن دواعي الإنسان إلى المداراة عما يخاف عليه من أقاربه وآله وجميع أحواله عظيمة جداً إن كان المدارأ عظيماً لا سيما إن كان قد تقدم له صداقة وبه ألفة، فكان جديراً بعد الوعظ والتأسية أن يبقى عنده بقايا ولا سيما والناس متفاوتون، منهم من يرده أيسر وعظ ومنهم من يحتاج إلى أكثر من ذلك أعاد التأسية تأكيداً لها على وجه بلغ الذروة من جمال الترغيب وجلال الترهيب، وليكون فيها أتم دلالة على أن ما بينهما من قول إبراهيم عليه السلام المأمور بالتأسي به من الدعاء وغيره إلا ما استثنى لتشتد الرغبة فيه، فقال مصدراً بما دل على القسم إشارة إلى أن من فعل غير هذا كان فعله فعل منكر لحسن هذا التأسي، ولذلك ذكر الفعل الذي أنثه في الأول:{لقد كان لكم} أي أيها الذين ادعوا الإيمان، وقدم الظرف بياناً للاهتمام به فقال:{فيهم} أي إبراهيم عليه السلام ومن معه {أسوة حسنة} وأبدل من {لكم} ما هو الفيصل في الدلالة على الباطل، فقال مشيراً إلى أن من لم يتأس بهم في هذا لم يكن راجياً لما ذكر:{لمن كان} أي جبل على أنه {يرجوا الله} أي الملك