ولما كان معلوماً أن عداوتهم له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المشار إليها بقوله {وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً} الآية، لا يقوم بها إلا أكابر الناس، لما كان عليه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من جلالة المنصب وشرف العشيرة وكثرة الأقارب وأنه لا يتمادى عليها إلا جاهل مطموس البصيرة مزين له قبيح أعماله، عطف تعالى على التزيين للكافرين قوله:{وكذلك} أي مثل ما زينا للكافرين سوء أعمالهم، فكان أكابر أهل مكة يمكرون فيتبع غيرهم مكرهم {جعلنا} أي بما لنا من العظمة في إقامة الأسباب لما يعلي كلمة الإنسان أو يجعله حقير الشأن {في كل قرية} أي بلد جامع، ولما كان الكبر مختلف الأنواع باختلاف أشخاص المجرمين، طابق بأفعال التفضيل المقصودين لها في الجمع على إحدى اللغتين، وعبر بصيغة منتهى الجمع دلالة على تناهيهم في الكثرة فقال:{أكبر مجرميها} أي القاطعين لما ينبغي أن يوصل.
ولما كان من شأن الإنسان استجلاب أسباب الرفعة لنفسه، وكان لا يصل إلى ذلك في دار ربط المسببات بحكمة الأسباب إلا بالمكر، وكان الأكابر أقدر على إنفاذ المكر وترويج الأباطيل بما لأغلب الناس من السعي في رضاهم طمعاً فيما عندهم، وكان الإنسان كلما تمكن من ذلك أمعن فيه، وكان الكبير إنما يصل إلى ما قدر له من ذلك بتقدير الله