ولما انقضى ما لزمهم بسبب الإقرار برسلية البشر من الإقرار برسلية رسولهم صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لكونه مساوياً لهم في النوع والإتيان بالمعجز، وما فعل بهم وبأممهم ترغيباً وترهيباً، وختم ذلك بأنه أباد المسرفين، ومحا ذكرهم إلا بالبشر، التفت إلى الذكر الذي طعنوا فيه، فقال مجيباً لمن كأنه قال: هذا الجواب عن الطعن في الرسول قد عرف، فما الجواب عن الطعن في الذكر؟ معرضاً عن جوابهم لما تقدم من الإشارة بحرف الإضراب إلى أن ما طعنوا به فيه لا يقوله عاقل، مبيناً لما لهم فيه من الغبطة التي هم لها رادون، والنعمة التي هم بها كافرون:{لقد} أي وعزتنا لقد {أنزلنا} بما لنا من العظمة {إليكم} يا معشر قريش بل العرب قاطبة {كتاباً} أي جامعاً لجميع المحاسن لا يغسله الماء ولا يحرقه النار {فيه ذكركم} طوال الدهر بالخير إن أطعتم، والشر إن عصيتم، وبه شرفكم على سائر الأمم بشرف ما فيه من مكارم الأخلاق التي كنتم تتفاخرون بها وبشرف نبيكم الذي تقولون عليه الأباطيل، وتكثرون فيه القال والقيل.
ولما تم ذلك على هذا الوجه، نبه أنه يتعين على كل ذي لب الإقبال عليه والمسارعة إليه، فحسن جداً قوله منكراً عليهم منبهاً على أن علم ذلك لا يحتاج إلى غير العقل المجرد عن الهوى:{أفلا تعقلون*} .