ولما ذكر سبحانه من أحوالهم المندرجة في أحوال هذا النوع كله ما هو مكشوف بشاهد الوجود من أنه لا ثبات لهم لا سيما عند الشدائد إعلاماً بالعراقة في الجهل والعجز، دل على الأمرين معا بما لا يمكن عاقلاً دفعه من أنهم لا يجوزون الممكن فيعدون له ما يمتعه على تقدير وقوعه، فأمره صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يذكر ذلك إيذاناً بالإعراض عنهم دليلاً على تناهي الغضب:{قل أرأيتم} أي أخبروني {إن كان} أي هذا القرآن الذي نصبتم لمغالبته حتى بالإعراض عن السماع باللغو حال قراءته من الصفير والتصفيق وغير ذلك، وليس ذلك منكم صادراً عن حجة قاطعة في أمره أتم معها على يقين بل هو عن خفة وعدم تأمل منكم أنه {من عند الله} الذي له الإحاطة بجميع صفات الجلال والجمال فهو لا يغالب.
ولما كان الكفر به على هذا التقدير في غاية البعد، وكان مقصود السورة دائراً على العلم، نبه على ذلك بأداة التراخي مع الدلالة على أن ذلك ما كان منهم إلا بعد تأمل طويل، فكانوا معاندين حتى نزلوا بالصفير والتصفيق من أعلى رتب الكلام إلى أصوات الحيوانات العجم فقال: