ولما كان نسبة هذا إليه توبيخاً وتقريعاً لقصور نظره فإن الإقتار قد يؤدي إلى سعادة الدارين، والتوسعة قد تؤدي إلى شقاوتهما، وهذا أكثر ما يوجد، قال ردعاً عن مثل هذا القول بأعظم أدوات الزجر معللاً للتوسعة والإقتار:{كلا} أي إني لا أكرم بتكثير الدنيا ولا أهين بتقليلها، لا التوسعة منحصرة في الإكرام ولا التضييق منحصر في الإهانة والصغار، وإنما أتتهم الإهانة من حيث إنهم لا يطيعون الله، وربما كان بالتوسعة، وربما كانت بالإقتار، فربما عصى فوسع عليه إهانة له، وهذا لمن يريد سبحانه به الشقاء فيعجل له طيباته في الدنيا استدراجاً، وربما عصى فضيق عليه إكراماً له لأن ذلك يكفر عنه، وفي الصحيح في حديث أقرع وأبرص وأعمى في بني إسرائيل شاهد عظيم لذلك.
ولما زجر عن اعتقاد أن التوسعة للاكرام والتضييق للاهانة، ذكر أن معيار من جبل على حب الطاعة ومن جبل على حب المعصية بغض الدنيا وحبها، فقال معرباً عن كلام الإنسان في الشقين