ولما مضت فضيحتهم بالتحدي، وكانت عندهم فضيحة التناقض دون فضيحة المعارضة، فكانوا يقدمونها عليها، فلم يحدث أحد منهم يوماً من الأيام بشيء مما يعارضه به علماً منهم بأنهم يصيرون بذلك إلى خزي لا يمكن أن يغسل عاره كما صار مسيلمة، لأنهم كانوا أعقل العرب وكان التقدير كما هدى إليه السياق: فإنك مستوٍ معهم بالنسبة إلى إيجاد الله لكم، هو سبحانه خالقهم كما أنه خالقك، ولا خصوصية لك منه على زعمهم: أهو خالقهم كما هو خالقك فيلزمهم أن يأتوا بمثل ما تأتي به، وكان ذلك على تقدير إقرارهم بالله وادعائهم لكذبه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عادله سبحانه تبكيتاً لهم وإظهاراً لفضائح هي أشنع مما فروا منه من المعارضة بقوله على تقدير أن يكونوا منكرين للإله أو مدعين لأن يكونوا آلهة:{أم خلقوا} أي وقع خلقهم على هذه الكيفية المتقنة {من غير شيء} فيكونوا مخالفين لصريح العقل إذ تعلق الخلق بالخالق من ضرورة الاسم كتعلقه بالمخلوق ليسلم لهم أنك تأتي بما لا يقدرون على معارضته لأنك أقوى منهم بكونك مستنداً إلى خالق وهم ليسوا مستندين إلى شيء أو ليكونوا لذلك أقوى منك وأعلى، فيكون لهم التكبر عليك {أم هم الخالقون *} أي الذين لهم هذا الوصف فيكونون قد خلقوا أنفسهم ليكونوا بذلك شركاء فيكون الخالق والمخلوق واحداً،