ولما أبطل دينهم كله أصولاً وفروعاً في التحريم والإشراك، وبين فساده بالدلائل النيرة، ناسب أن يخبرهم بالدين الحق مما حرمه الملك الذي له الخلق والأمر ومن غيره، فليس التحريم لأحد غيره فقال:{قل تعالوا} أي أقبلوا إليّ صاعدين من حضيض الجهل والتقليد وسوء المذهب إلى أوج العلم ومحاسن الأعمال؛ قال صاحب الكشاف: هو من الخاص الذي صار عاماً، يعني حتى صار يقوله الأسفل للأعلى {أتل} أي أقرأ، من التلاوة وهي اتباع بعض الحروف بعضاً. ولما كان القصد عموم كل أحد بالتلاوة وإنما خص المخاطبين بالذكر لاعتقادهم خلاف ذلك، وكان المحرم أهم، قدمه فقال:{ما حرم ربكم} أي المحسن إليكم بالتحليل والتحريم {عليكم} فسخطه منكم، وما وصاكم به إقداماً وإحطاماً فرضيه لكم من قبيلي الأصول والفروع؛ ثم فسر فعل التلاوة ناهياً عن الشرك، وما بعده من مضمون الأمر إنما عدي عنها، فقال:{ألا تشركوا به شيئاً} الآيات مرتباً جملها أحسن ترتيب، فبدأ بالتوحيد في صريح البراءة من الشرك إشارة إلى أن التخلي عن الرذائل قبل التحلي بالفضائل، فإن التقية بالحمية قبل الدواء، وقرن به البر لأنهما من باب شكر المنعم وتعظيماً لأمر العقوق، ثم أولاه القتل الذي هو أكبر الكبائر بعد الشرك، وبدأه بقتل الولد لأنه أفحشه وأفحش من مطلقه