ولما كانوا أهل بلاغة ولسن، وبراعة: وجدل، فكان ربما قال متعنتهم: ما له إذا كان ما تزعمون من أنه لا يبالي بشيء ولا ينقص من خزائنه شيء وهو العزيز الرحيم، لا يسوي بين الكل في إدخال الجنة، والمن بالنعيم فيعمهم بالرحمة الظاهرة كما عمهم بها في الدينا كما هو دأب المحسنين؟ تسبب عن ذلك أن قال منكراً لذلك مشيراً إلى أن المانع منه خروجه عن الحكمة، فإن تلك دار الجزاء، وهذه دار العمل، فبينهما بون:{أفمن كان} أي كوناً كأنه من رسوخه جبلي {مؤمناً} أي راسخاً في التصديق العظيم بجميع ما أخبرت به الرسل {كمن كان} ولما كان السياق منسوقاً على دليل {مالكم من دونه من ولي ولا شفيع} - الآية، فكان الكافر خارجاً عن محيط ذلك الدليل الذي لا يخفي بوجه على أحد له سمع وبصر وفؤاد، اقتضى الحال التعبير بالفسق الذي هو الخروج عن محيط فقال:{فاسقاً} أي راسخاً في الفسق خارجاً عن دائرة الإذعان.
ولما توجه الاستفهام إلى كل من اتصف بهذا الصف، وكان الاستفهام إنكارياً، عبر عن معناه مصرحاً بقوله:{لا يستوون} إشارة - بالحمل على لفظ «من» مرة ومعناها أخرى - إلى أنه لا يستوي جمع من هؤلاء يجمع من أولئك ولا فرد بفرد.