ولما كانت حال من هذا شأنه مشابهة لحال الأصم في عدم السماع لعدم الانتفاع به، والأبكم في عدم كلامه لعدم تكلمه بما ينفع، والعادم للعقل في عدم عقله لعدم انتفاعه به، قال معللاً لهذا النهي معبراً بأنسب الأشياء لما وصفهم به:{إن شر الدواب} أي التي تدب على وجه الأرض، جعلهم من جنس الحشرات أو البهائم ثم جعلهم شرها.
ولما كان لهم من يفضلهم، وكانت العبرة بما عنده سبحانه، قال تعالى:{عند الله} أي الذي له جميع الكمال من إحاطة العلم والقدرة وغيرها {الصم البكم} أي الطرش الخرس طرشاً وخرساً بالغين {الذين لا يعقلون*} أي لا يتجدد لهم عقل، ومن لم ينتفع بسماع الداعي كان كذلك.
ولما كان ذلك ربما دعا السامع إلى أن يقول: ما للقادر لم يقبل بمن هذا شأنه إلى الخير؟ أجاب بأنه جبلهم من أول الأمر - وله أن يفعل في مِلكه ومُلكه ما يريد - جبلة عريقة في الفساد، وجعل جواهرهم شريرة كجوهر العقرب التي لا تقبل التأديب بوجه ولا تمر بشيء إلا لسبته، فعلم سبحانه أنه لا خير فيهم فتركهم على ما علم منهم {ولو علم الله} أي الذي له الكمال كله {فيهم خيراً} أي قبولاً للخير {لأسمعهم} أي إسماعاً هو الإسماع، وهو ما تعقبه الإجابة المستمرة.