ولما كان علم الله تعالى محيطاً، وجب أن يعلم كل ما كان حاصلاً، فكان عدم علمه بوجود الشيء من لوازم عدمه، فلا جرم كان التقدير هنا: ولكنه لم يعلم فيهم خيراً، بل علم أنه لا خير فيهم فلم يسمعهم هذا الإسماع {ولو أسمعهم} وهم على هذه الحالة من عدم القابلية للخير إسماعاً قسرهم فيه على الإجابة {لتولوا} أي بعد إجابتهم {وهم معرضون*} أي ثابت إعراضهم مرتدين على أعقابهم، ولم يستمروا على إجابتهم لماة جبلوا عليه من ملاءمة الشر ومباعدة الخير، فلم يريدوا الإسلام وأهله بعد إقبالهم إلا وهناً، وكما كان لأهل الردة الذين قتلوا مرتدين بعد أن كانوا دخلوا في الإسلام خوفاً من السيف ورغبة في المال وهو من وادي {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه}[الأنعام: ٢٨] فإن علم الله تعالى أربعة أقسام: جملة الموجودات، وجملة المعدومات، وأن كل واحد من الموجودات لو كان معدوماً كيف يكون حاله، وأن كل واحد من المعدومات لو كان موجوداً كيف يكون حاله، والقسمان الأولان علم بالواقع، والآخران علم بالقدر، والآية من القسم الأخير، ولعمري إنا دفعنا إلى زمان أغلب من فيه على قريب من هذا الأمر، أجرأ الناس على الباطل، وأثبتهم في المصاولة فيه، وأوسعهم حبلاً في التوصيل إليه، وأجبنهم عند الدعوة