ولما كانت أقوالهم في أمر القرآن قد اضطربت، والإضطراب من أمارات الباطل، وكان وصفهم له بأنه سحر مما يهول السامع ويعلم منه أنه معجز، فربما أدى إلى الاستبصار في أمره، أخبر أنهم نزلوا به عن رتبة السحر على سبيل الاضطراب فقال:{بل قالوا} أي عن هذا الذكر الحكيم أنه {أضغاث أحلام} أي تخاليط نائم مبناه الباطل وإن كان ربما صدق بالأخبار ببعض المغيبات التي كشف الزمان عن أنها كما أخبر القرآن، ثم أنزلوا عن ذلك إلى الوصف موجب لأعظم النفرة عنه وعمن ظهر عنه فقالوا:{بل افتراه} أي تعمد وصفه من عند نفسه ونسبه إلى الله.
ولما كان ذلك لا ينافي كون مضمونه صادقاً في نفسه، قالوا {بل هو شاعر} أي يخيل ما لا حقيقة له كغيره من الشعراء، تتربص به ريب المنون لأنه بشر كما تقدم، فلا بد أن يموت ونستريح بعد موته، وإليه أشار في آخر التي قبلها {قل كل متربص}[طه: ١٣٥] إلى أخره، فاضطربت أقوالهم وعوّلوا أخيراً على قريب من السحر في نفي الحقيقة.
ولما كانوا يصفون القرآن بجميع هذه الأوصاف جملة، يقولون لكل شخص ما رأوه أنسب له منها، نبه الله سبحانه كل من له لب على بطلانها كلها بتناقضها بحرف الإضراب إشارة إلى أنه كان يجب على