ولما بان بهذا دليل علمه، أتبعه دليل فضله وحلمه، فقال:{وإنه} أي القرآن {لهدى} أي موصل إلى المقصود لمن وفق {ورحمة} أي نعمة وإكرام {للمؤمنين*} أي الذين طبعتهم على الإيمان، فهو صفة لهم راسخة كما أنه للكافرين وقر في أذانهم وعمى في قلوبهم.
ولما ذكر دليل فضله، أتبعه دليل عدله، فقال مستأنفاً لجواب من ظن أن فضله دائم العموم على الفريقين:{إن} وقال: {ربك} أي المحسن إليك بجمعه لكل بين العلم والبلاغة والدين والبراعة والدنيا والعفة والشجاعة تسلية للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {يقضي بينهم} أي بين جميع المخلفين {بحكمه} أي الذي هو أعدل حكم وأتقنه وأنفذه وأحسنه مع كفرهم به واستهزائهم برسله، لا بحكم غيره ولا بنائب يستنيبه {وهو} أي والحال أنه هو {العزيز} فلا يرد له أمر {العليم*} فلا يخفى عليه سر ولا جهر، فلما ثبت له العلم والحكمة، والعظمة والقدرة، تسبب عن ذلك قوله:{فتوكل على الله} أي الذي له جميع العظمة بما ثبت علمه وقدرته التي أثبت بها أنك أعظم عباده الذين اصطفى في استهزاء الأعداء وغيره من مصادمتهم ومسالمتهم لتدع الأمور كلها إليه، وتستريح من تحمل المشاق، وثوقاً بنصره، وما أحسن قول قيس بن الخطيم وهو جاهلي: